الحصينة (١٢٦٣ م). وعندما استتب له الأمر ، وفرغ من ترتيب أمور ملكه الداخلية ، تفرغ بيبرس لمقارعة الفرنجة. ومثله مثل صلاح الدين ، قضى بيبرس وهو يقاتل بقايا الفرنجة في الشرق.
بعد الكرك ، توجه بيبرس إلى عكا ، وحاول أخذها ، فلم ينجح (١٢٦٤ م). وفي السنة التالية (١٢٦٥ م) ، تحرك من مصر ، فأخذ قيساريا وحيفا وأرسوف والقاقون. وفي سنة ١٢٦٦ م أخذ قلعة صفد الحصينة من أيدي الفرسان الهيكليين. وفي سنة ١٢٦٧ م عاد وحاصر عكا ولم يفلح في دخولها ، واقتنع بضرورة وضع خطة ذات أثر بعيد ، تعزل عكا وتقطع أوصالها قبل أخذها. وفي سنة ١٢٦٨ م توجه شمالا ، فأخذ قلعة الشقيف وهونين وتبنين ، وأخيرا أسقط أنطاكيا ـ الإمارة الصليبية الثانية. وكانت يافا قد استسلمت له ، فأمر بتدمير حصون الساحل وأسوار مدنه ، وفي المقابل ، ترميم قلاع الداخل ، وذلك للحؤول دون عودة الفرنجة إلى الساحل والتحصن فيه ، بينما يتمركز جيش المماليك في قلاع الداخل. فرمم قلعة القاقون ، لموقعها الاستراتيجي ، ومن ثم أعاد بناء قلعة صفد. وجعلها مركزا للنيابة ، يتبع لها معظم فلسطين. وآخر فتوح بيبرس في فلسطين كان قلعة القرين (مونتفورت) الحصينة ، وكانت مقر الفرسان التيوتون ، وموقعا مهما في شبكة الدفاع عن عكا (١٢٧١ م).
وبعد سقوط قلعة القرين ، عقد بيبرس هدنة لمدة عشر سنوات ، بداية مع صور ، ولاحقا مع عكا ذاتها. ويبدو أنه اقتنع بأن عكا ، في الأوضاع الحالية ، يستعصي عليه أخذها ، ما دامت أبوابها مفتوحة لأساطيل الفرنجة ، من قبرص وأوروبا ، وهو لا يملك أسطولا لإحكام الحصار عليها. وتوفي بيبرس في دمشق (١٢٧٧ م) ، وهو في ذروة نشاطه ، ولعله سقي السم ، ودفن بالقرب من قبر صلاح الدين ، حيث أقيمت لاحقا المكتبة الظاهرية. واكتسب بيبرس شهرة واسعة ، وتحولت أخباره إلى ملاحم شعبية ، يتداولها القصاص والحكواتية في الندوات الخاصة والعامة. وكان قبل موته أوصى بالسلطنة إلى ابنه الملك السعيد بركة ، الذي ما لبث أن تخلى عنها لأخيه الطفل سلامش. فخلعه قلاوون (الألفي) ، وتولى السلطنة بلقب الملك المنصور سيف الدين قلاوون (١٢٨٠ ـ ١٢٩٠ م) ، والذي أسس السلالة الأطول حكما في دولة المماليك. وفي أيام قلاوون ، كان الحدث الأبرز في بلاد الشام هو إسقاط إمارة طرابلس. فبعد توليه السلطة ، توجه قلاوون إلى فلسطين ، وفيها استقبل وفدا من عكا ، جاء ليفاوض على تمديد الهدنة المعقودة مع بيبرس لعشرة أعوام أخر. فتم ذلك بين الطرفين ، وعقد بعدها بفترة قصيرة هدنة مماثلة مع إمارة طرابلس. وأهم بنود الهدنة