التي عقدت مع مملكة عكا (١٢٨٣ م) كانت ما يلي : ١) مدة الهدنة عشرة أعوام وعشرة أشهر وعشرة أيام ؛ ٢) منح التجار من رعايا السلطان الأمن وحرية العمل التجاري في عكا والبلاد الساحلية ؛ ٣) توقف الفرنجة عن الاعتداء على أراضي دولة السلطان ؛ ٤) لا يجدد الفرنجة في عكا وعتليت وصيدا حصنا ولا سورا ؛ ٥) تبادل الرعايا الفارين ضمن شروط محددة ؛ ٦) حرية الملاحة وتقديم العون إلى السفن الجانحة ، والمحافظة على محتويات السفن لتسليمها إلى أصحابها أو من يلوذ بهم ؛ ٧) يتولى فرنجة عكا إنذار السلطان وإعلامه بأي تحرك أوروبي مضاد له ، وكذلك بالنسبة إلى تحركات المغول ؛ ٨) يضمن السلطان حماية عكا وعتليت من أعمال القرصنة ؛ ٩) السماح للحجاج الأوروبيين بالوصول إلى الأماكن المقدسة ، وضمان أمنهم وسلامتهم وحرية تعبدهم.
ويبدو أن أوضاع قلاوون الداخلية ، وتكريس نفسه سلطانا بعد بيبرس ، وما نجم عن ذلك من خلافات ومنازعات ، من جهة ، وازدياد النشاط المغولي مجدّدا ، وما قد تتمخض عنه الاتصالات بين المغول والفرنجة من تحالف ، من جهة أخرى ، دفعت قلاوون إلى إبرام الاتفاق مع عكا وطرابلس. وقد حانت له الفرصة للتخلي عن الاتفاق مع طرابلس ، عندما أقدم حاكمها على نهب بضائع مجموعة من التجار المسلمين وأسر بعضهم. فانتهز قلاوون الحادث ، وكانت جيوشه على استعداد ، بعد أن تغلب على التمرد الخطير الذي قام به سنقر (الأشقر) في دمشق ، وتحرك نحو طرابلس ، وفرض عليها الحصار. وبعد قتال عنيف ، دخلها عنوة (١٢٨٩ م). وبذلك قضى قلاوون على الإمارة الصليبية الثالثة ، ولم يبق منها إلّا عكا (سان جان داكر) ـ مدينة معزولة ، تنتظر نضوج الأوضاع لاقتحامها وتصفية الوجود الفرنجي في الشرق. وبعد سقوط طرابلس ، وصلت مجموعات إيطالية إلى عكا ، حيث اشتدت الصراعات داخلها بين الكومونات والتنظيمات المتعددة. وفي خضم الفوضى ، جرى الاعتداء على التجار المسلمين في المدينة ، فوجد قلاوون بذلك الفرصة الملائمة للتخلي عن المعاهدة مع عكا ، ومهاجمتها. وتهيّأ السلطان للخروج على رأس جيشه ، لكن المرض اشتد به ومات سنة ١٢٩٠ م. وكان ابنه وولي عهده ، علي قد سبقه. وقد تردد قلاوون في تعيين الأشرف خليل وليّا للعهد ، لأنه لم يتمتع بشعبية بين المماليك ، ولكن الأشرف خليل استطاع السيطرة على الوضع وتثبيت أقدامه في السلطة. ولامتصاص النقمة في أوساط المماليك ، ولاكتساب الشرعية الشعبية ، سارع الأشرف إلى الزحف على عكا ، وحاصرها ، واشتد القتال ، ودخلها أخيرا ، بعد أن جمع كل ما لديه من قوات وعتاد في ١٨ أيار / مايو ١٢٩١ م. وبعدها استولى