المركزية في هذه الفترة ، التي ظلت على مسرح الأحداث أكثر من نصف قرن. وخلال هذه الفترة الطويلة نسبيا لظاهرة من هذا النمط ، تضافرت عوامل خارجية وداخلية على السلطنة ، استطاع ظاهر العمر أن يستغلها ويقوي سلطته ويوسع نفوذه. وكان طبيعيا أنه بقدر ما كرّس ظاهر العمر حكمه ، نتيجة الأوضاع القائمة آنذاك ، بقدر ما احتدم التناقض بينه وبين السلطنة ، التي لم تكن بعد ناضجة للانحلال الداخلي. ولذلك حسم الصراع بقتل ظاهر العمر وإنهاء الظاهرة (١٧٧٥ م). وفي ذروة قوته ، وبالتالي تناقضه مع الباب العالي ، تحالف ظاهر العمر مع صنو له في مصر ، هو علي بك الكبير ، المملوك الذي راودته تطلعات شبيهة بتلك التي بيّتها ظاهر العمر. واستطاع الحليفان احتلال دمشق (١٧٧١ م) ، بدعم من روسيا ، التي قصف أسطولها بيروت ، في استعراض للقوة إزاء الجيش العثماني.
ولد ظاهر العمر في العقد الأخير من القرن السابع عشر. وكان والده عمر بن صالح الزيداني ، ملتزما (مقاطعجي) صغيرا في أعمال سنجق صفد ، في منطقة نفوذ الشهابيين ، الذين ورثوا إمارة المعنيين في لبنان. وبعد موت والده (١٧٠٣ م) ، تولى ظاهر جزءا من التزام والده ـ قريتي عرابة والدامون ـ في الجليل الأسفل. ثم راح يوسع هذا الالتزام ، عبر التحالف مع بعض القبائل البدوية ، في منطقة اللجون الواقعة على الحدود بين سنجقي صفد ونابلس ، ومنهم : بنو صخر وبنو صقر وعرب السردية ، الذين انتشروا في الجزء الشرقي من مرج ابن عامر. ودخل ظاهر العمر في تحالفات قبلية ، وبالتالي في صراعات حدودية ، بين حاكم صفد ، الموالي لأمير جبل لبنان الشهابي ، وبين حاكم نابلس وزعماء العشائر فيها ، الموالين لأمير دمشق ، من آل العظم. وانحاز ظاهر العمر إلى أمير مشايخ البدو في سنجق صفد ، رشيد جبر ، فدخل في صراع مع آل ماضي في منطقة نابلس وآل جرّار في منطقة جنين. وفي هذه الفترة ، وعبر المصاهرة ، اتخذ ظاهر له مقرا في الناصرة ـ البلدة الأكبر في الجليل الأسفل.
ولإثبات جدارته أمام والي صيدا ، تعهد ظاهر العمر بكبح حلفاء الأمس ـ مشايخ بني صقر ـ وردعهم عن الإخلال بالأمن. ولما نجح في ذلك ، استثار والي دمشق ، سليمان باشا العظم الذي هبّ لمساندتهم. وإزاء تفاقم خطر ظاهر العمر ، عزم الباشا الدمشقي على سحقه ، فجرد ضده حملة قادها بنفسه (١٧٣٧ م) ، وفشل في القضاء عليه ، لكنه لم ينكفىء عن متابعة هدفه. في المقابل ، عمد ظاهر العمر إلى احتلال طبرية وتحصينها. وعندما عاود الباشا الكرة (١٧٤٢ م) ، وحاصر طبرية ، فشل ثانية في أخذها والقضاء على الأمير البدوي الصلب ، وانسحب إلى دمشق مرة أخرى. وعندها توجه ظاهر العمر إلى القنصل الفرنسي ، الذي كانت لدولته مصالح تجارية في