الكرجي (١٧٦٠ ـ ١٧٧١ م) الذي احتل موقع سيده أسعد باشا العظم ، مكافأة له من الباب العالي على الغدر بولي نعمته ، وحاول الكرجي إقناع إستنبول بضرورة القضاء على الشيخ الزيداني. لكن إستنبول لم تكن في موقع تقديم المساعدة اللازمة لذلك ، نظرا إلى كونها مشغولة بالحرب مع روسيا. واتبع الباب العالي سياسة زرع الشقاق بين أفراد عائلة الزيداني ، وحرضت ، عبر الكرجي ، أبناء ظاهر العمر على أبيهم ، كما فعلت في لبنان ، بين «الجانبلاطية» (الجنبلاطية) و «الأزبكية» (الأرسلانية) ، وكذلك بين الشيعة في جبل عامل ـ ناصيف النصار والشيخ قبلان. وتداخلت هذه الزعامات المحلية في الصراعات ، وشغلت بها. ولكن على الرغم من المشكلات الداخلية (تمرّد أبنائه عليه) ، والصراعات مع الجوار ، بما في ذلك مع والي صيدا ، الذي راح يخشى تزايد قوة ظاهر العمر ، استطاع هذا الأخير ، عبر التحالف مع حاكم مصر ، علي بك الكبير ، واستغلال التناقضات بين الجيران ، واحتواء الصراع بين أبنائه ومعهم ، عبر تخويفهم من الخطر الداهم عليهم جميعا ، أن يحمي نفسه ويحافظ على موقعه.
وكثافة تدخل والي دمشق في شؤون ظاهر العمر ، من دون القدرة على حسم الصراع معه بغياب دعم جدي من إستنبول ، دفعت ظاهر العمر إلى التحالف مع علي بك الكبير في مصر. وكان هذا المملوك قد تمرد على السلطان ، وفي سنة ١٧٧٠ م ، أرسل صهره وقائد جيشه ، محمد بك أبو الذهب ، فاحتل غربي الجزيرة العربية. وفي السنة التالية (١٧٧١ م) ، أرسل حملة إلى سورية ، وبالتعاون مع ظاهر العمر ، استطاع فيها احتلال دمشق بسهولة نسبية ، لما كانت تشهده بلاد الشام من تفتت وصراعات بين مراكز القوى ، وما يسود سكانها من حالة تذمر لسوء تصرف عثمان الكرجي. لكن الأهم هو استغلال علي بك الكبير فرصة انهماك السلطنة في الحرب مع روسيا ، فعزم على التوسع في سورية ، مستفيدا من الأوضاع فيها ، ومن التحالف مع روسيا ، الذي جرى التعبير عنه في اتفاق عقد مع الكونت أورلوف ، قائد الأسطول الروسي في البحر الأبيض المتوسط. وقد قدّم هذا الأسطول الدعم لعلي بك في أثناء الحملة ، فقصف بيروت ، وأنزل فيها بعض القوات (١٧٧١ م).
ومنذ تولى دمشق (١٧٦١ م) ، لم ينفك عثمان الكرجي عن محاولة انتزاع الأراضي والمدن التي أخذها ظاهر العمر بالقوة من يده. وجرى الصدام الأول بعد شهرين من تعيينه ، إذ احتل الطنطورة ، وتقدم نحو حيفا ، لكنه فشل في احتلالها. وفي السنة نفسها ، قام بحملة أخرى على عكا ، واحتل قلعتها لمدة عام. لكن ظاهر العمر لم يلبث أن استعادهما ، وعمد إلى تحصينهما ، وخصوصا عكا. وخلال