الستينات ، ظلت الحرب سجالا بين الاثنين. وبينما اشتد ضغط عثمان الكرجي على ظاهر العمر ، في نهاية الستينات ، لاحت في الأفق حركة علي بك الكبير في مصر ، فسارع إلى التحالف معه ، على الرغم من علمه بنوايا حاكم مصر المملوكي بسط سلطته على بلاد الشام. واستفاد ظاهر العمر وحليفه علي بك من حالة التململ في بلاد الشام ، سواء أكان ذلك على صعيد الحكام المحليين ، أو على صعيد السكان عامة ، من سلوك عثمان الكرجي وعسفه. وعلى الصعيد الشعبي ، فقد ذاق الناس الأمرّين من الحرب المستمرة ، من جهة ، ومن الكوارث الطبيعية التي تواترت من جهة أخرى.
وعندما طلع جيش علي بك الكبير على فلسطين (١٧٧١ م) ، استسلمت له غزة والرملة من دون قتال. وتراجعت قوات الكرجي إلى يافا ، وتحصنت فيها. ومن هناك ، قامت بهجوم مفاجىء على الجيش المصري وهزمته. لكن جيش الكرجي لم يلبث أن انسحب من يافا ، إزاء الحشد العسكري الكبير ضده ، من قوات ظاهر العمر وحلفائه المحليين ، وخصوصا مشايخ الشيعة في جبل عامل ، والقوات المصرية ، بقيادة إسماعيل بك ، مملوك علي بك الكبير. ثم وصلت تعزيزات كبيرة من مصر ، بقيادة المملوك محمد بك أبو الذهب ، فهيمن هذا على الوضع بشخصيته وسمعته وكبر جيشه ، الأمر الذي أدخل الشكوك في نفس ظاهر العمر. ولم يخرج هذا الأخير لملاقة محمد أبو الذهب ، ولا رافقه في حملته على دمشق ، وإنما توجه إلى عكا ، وعمل على تحصينها تحسّبا لكل طارىء. ويبدو أن ظاهر العمر أعاد حساباته في التحالفات التي وضعته في تناقض محتدم مع إستنبول لم يكن يرغب في إيصاله إلى هذه الحدود. ولكن سبق السيف العذل.
وتقدم أبو الذهب إلى دمشق واحتلها (١٧٧١ م) ، لكنه ما لبث أن انقلب على سيده علي بك. وانحاز إلى إستنبول ، وعاد بجيشه إلى مصر ، وطرد منها علي بك ، الذي لجأ إلى ظاهر العمر ، وتولى أبو الذهب ولاية مصر مكانه (١٧٧٢ م). وبانقلاب أبي الذهب هذا ، انقلبت موازين القوى ، واختلت التحالفات ، وفتح الصراع بين الزعماء المحليين ، وسارع كل منهم إلى وضع يده على منطقة معينة لدى شعوره بالفراغ السياسي الذي حدث ، فعمت الفوضى. وحاول علي بك العودة إلى مصر واستعادة حكمه فيها ، لكنه هزم ومات (١٧٧٣ م). وبعد ذلك ، تقدم أبو الذهب إلى فلسطين ، فأخذ غزة والرملة ويافا ، وهرب ظاهر العمر من عكا. فأخذها أبو الذهب ، لكنه ما لبث أن مات ، ودبت الفوضى في جيشه ، فعاد ظاهر العمر إلى عكا وحصنها (١٧٧٥ م). وفي هذه الأثناء دبّ الصراع ثانية في عائلة الزيادنة ، وهذه المرة بين