تضافرت عوامل داخلية فرنسية ، وخارجية أوروبية ، وشرق أوسطية ، لقيام هذه الحملة ، بهدف معلن هو فصل بريطانيا عن مستعمراتها ، عبر قطع طرق المواصلات البحرية بينهما.
وكانت أوروبا بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح (١٤٩٨ م) قد حوّلت تجارتها مع الشرق الأقصى إلى هذا الطريق البحري الذي يدور حول إفريقيا ، الأمر الذي ألحق ضررا كبيرا بطرق البحر الأبيض المتوسط ، وبالتالي بالدول المحيطة به ، ومنها فرنسا. وفي إطار التنافس بشأن تجارة الشرق الأقصى ، عاد الفرنسيون وفكروا بإحياء الطرق القديمة ، فأصبحت مصر بؤرة اهتمام القوى المتنافسة ، وخصوصا أن الطريق عبرها أقصر بكثير من طريق رأس الرجاء الصالح. وحتى في فترة الاحتلال القصيرة ، أجرى الفرنسيون دراسة ، عبر البعثة العلمية الكبيرة التي حملها نابليون معه ، حول حفر قناة تصل البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر ، تلك الفكرة التي تطورت لاحقا وانتهت بحفر قناة السويس. وإذ فتحت حملة نابليون عيون أوروبا على البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط ، وخصوصا على مصر ، فإنها في حينها لم تحقق الأهداف المعلنة لها. لقد فشلت الحملة ، لكنها تركت أثرا عميقا في المنطقة. وفي الواقع ، فإنها دشنت دخول المنطقة العصر الحديث. فبعد حملة نابليون ، بدأت في الشرق الأوسط مرحلة جديدة في العلاقة مع الغرب الاستعماري ، لا تزال مستمرة حتى الآن (١٩٩٦ م).
وكان نابليون قد أعد حملته على مصر بسرية تامة ، ولعل الإشاعات عن عزمه غزو بريطانيا كانت تمويها على خطته الحقيقية. فأبحر من طولون في أيار / مايو ١٧٩٨ م ، وهمّه التملص من مواجهة بحرية مع الأسطول البريطاني ، الذي كان يتعقبه. وفي الطريق ، قام بهجوم مفاجىء على قلعة مالطا ، التي أخذها من دون صعوبة تذكر. ومن هناك ، سارع إلى أبي قير ، على الساحل المصري في حزيران / يونيو ١٧٩٨ م ، الميناء الذي كان الأسطول البريطاني قد زاره قبل بضعة أيام ، وقفل راجعا يبحث عن نابليون في عرض البحر لتدمير سفنه. وفاجأ نابليون المماليك في الإسكندرية ، وأخذها من دون مقاومة. ومنها تحرك إلى القاهرة ، وفي معركة بالقرب من الأهرامات ، هزم جيش المماليك من الفرسان ، بفضل تفوق قواته ، عددا وعدة وعتادا وتدريبا وتكتيكا ميدانيا. ودخل القاهرة ، وأعلن أنه جاء مجدّدا للإسلام وتراثه. لكنه سرعان ما فقد أسطوله في أبي قير ، الذي دمره الأميرال البريطاني هوراشيو نلسون ، في هجوم كاسح. فأصبح نابليون محصورا في مصر ، ومعزولا عن فرنسا. فعدل عن خطة التقدم إلى الهند ، أسوة بالإسكندر المقدوني ، واكتفى بحملة على بلاد الشام ، توقفت عند عكا.