العرب المحليين. ومن خلال المركزية الصارمة ، المستندة إلى دعم الجيش الحديث والكبير ، استطاع الجهاز الإداري إدخال إصلاحات كبيرة في نظام الحكم ، ولكن ليس من دون عقبات. فالقوى المحلية ، التي هيمنت على مناطقها في الفترة السابقة ، وجدت نفسها تفقد سلطتها ، فقاومت عملية الإصلاح الإداري ، غير أن يد إبراهيم القوية أجبرتها على الرضوخ. وإذ لم ينجح تماما في كبح القبائل البدوية عن تجاوزاتها ، فإنه قلص كثيرا من قدرتها على تحدي السلطة المركزية ، وحدّ من اعتداءاتها على قرى الفلاحين وقوافل الحج وطرق التجارة.
والإصلاحات الإدارية التي أدخلها إبراهيم باشا في نظام الحكم ، ضربت المرتكزات التي استند إليها الزعماء المحليون في فرض هيمنتهم على مناطقهم. فقد حلّ موظفو الدولة ، التابعون للحاكم الإداري في دمشق ، محل أبناء العائلات الكبيرة والقوية في ممارسة السلطة بالمناطق. وجاء التجنيد الإلزامي وسحب السلاح من أيدي الناس ، ليزيد من إضعاف هؤلاء الزعماء ، وحرمانهم من القدرة على مقاومة إجراءات السلطة المركزية. فتقلص إلى حد كبير تأثير العائلات الإقطاعية في إدارة شؤون البلاد ، وبالتالي انحسرت حدة الصراع بينها بشأن الزعامة ، وما نجم عنها من اقتتال على الامتيازات الاقتصادية. وعبر العلمنة ، وحصر صلاحية المحاكم الشرعية في الأحوال الشخصية فقط ، تراجع موقع العلماء في المجتمع ، وفقدت العائلات الإقطاعية ركيزة أخرى من ركائز قوتها. ولا غرو ، إزاء هذه الإجراءات التي عمد إليها إبراهيم باشا ، ونفذها بحزم ، أن ينتهز زعماء تلك العائلات كل فرصة تلوح للتمرد عليها ، في محاولة لإعادة الوضع إلى سابق عهده. فاستغل هؤلاء كل حالة تململ في أوساط قطاعات السكان ـ فلاحين وتجار وحرفيين ـ وحتى الحركات الوطنية ، للانضمام إليها في تحركاتها ضد السلطة.
ويلفت النظر أن إصلاحات إبراهيم باشا ، التي كان من شأنها أن تحسن أوضاع عامة الناس ، وبالتالي تتمتع بتأييدهم ، قد أثارت ردات فعلهم السلبية عليها. فبعد فترة قصيرة من الركون إلى الحكم المصري ، كبديل أفضل من الأوضاع السيئة التي كانت قائمة قبله ، أخذت العلاقة بين هذا الحكم والناس تتردى ، على الصعد والمستويات كافة. فالإصلاحات الإدارية التي أدخلها إبراهيم باشا ، ضمنت الأمن العام ، ودرجة أعلى من المساواة أمام القانون ، ونظام ضرائب أكثر استقرارا وعدالة في مقابل الوضع السابق. ومع ذلك ، انتشر التذمر والتململ بين قطاعات واسعة من الشعب ، ولم يتوقفا عند الدوائر المتضررة من مركزية السلطة. ويعود ذلك في الأساس إلى ضريبة الرأس (الفردة) ، التي فرضها الحكم المصري على الذكور من سن ١٤ فما فوق ،