والاجتماعات. وإذ استطاع القمع أن يكبح تطور الحركة الوطنية والثقافية ، فإنه لم يجهز عليها بالكامل. فقد استمرت هذه الحركة في إنتاج الكتّاب والمفكرين. ويبرز بين هؤلاء الكاتب والمفكر السوري (الحلبي) عبد الرحمن الكواكبي (١٨٤٩ ـ ١٩٠٣ م). وكان الكواكبي من مناهضي ظلم عبد الحميد ، والمعارضين لمعاصره ، وابن بلده ، أبو الهدى من بطانة عبد الحميد ، والذي كان «نقيب الأشراف». ودعا الكواكبي إلى إحياء الحضارة العربية وتعزيزها. وميّز الحركة الوطنية من الدين ، وقاوم التعصب الطائفي ، ودعا إلى محاربة الأمية. وفي سنة ١٨٩٨ م ، طاله القمع الحميدي ، فرحل إلى مصر وأمضى بقية حياته هناك. وللكواكبي كتابان : «طبائع الاستبداد» و «أم القرى». وقد ضمّن الأول منظوره الاجتماعي ، بينما عبر الثاني عن وجهة نظره السياسية. ورأى إحياء الخلافة ، وإيداعها في يد خليفة عربي قرشي ، تنتخبه «الأمة الإسلامية» ، وتعيّن إلى جانبه مجلسا استشاريا. ويتمتع الخليفة بحكم الحجاز ، يعينه في ذلك مجلس منتخب. وأكد الكواكبي على خصوصية العرب في إطار السلطنة العثمانية.
في المقابل ، كان الظلم الحميدي ، الذي طال معارضيه من العرب والعثمانيين على حد سواء ، حافزا للوطنيين العرب على التعاون مع «الثوريين» العثمانيين ، من جمعية الاتحاد والترقي (تركيا الفتاة) ، من أجل إسقاط حكم عبد الحميد. وقد تشكلت هذه الجمعية (١٨٩٤ م) بعد أن فشلت سابقتها حركة العثمانيين الجدد ، بقيادة مدحت باشا ، في تحقيق نظام حكم دستوري في السلطنة. والعثمانيون الجدد ، الذين أوصلوا عبد الحميد إلى السلطة ، كانوا أول ضحايا قمعه. ومدحت باشا ، الذي أصبح الوزير الأول (الصدر الأعظم) ، أبعد إلى الحجاز ، واغتيل هناك. وإزاء تدهور أوضاع السلطنة ، وبالتالي إعلان إفلاسها الاقتصادي ، بسبب ضخامة ديونها ، راحت تتشكل تيارات ليبرالية في تركيا ، في مواجهة الاستبداد الحميدي. واعتقد الوطنيون العرب أنهم بالتعاون مع جمعية تركيا الفتاة ، يستطيعون تحقيق الحكم الذاتي للأقطار العربية (بلاد الشام) ، في إطار السلطنة العثمانية ، أو بالاستقلال عنها ، ولو بمساعدة دول أوروبا. وكان أعضاء تركيا الفتاة من الضباط والمثقفين الأتراك ، الذين أرادوا تحويل السلطنة إلى دولة دستورية. وقد تميّز عملهم ، بسبب مواقعهم في السلطة ، من جهة ، والقمع الحميدي من جهة أخرى ، بالتآمر والسرية ، والعمل على تحقيق أهدافهم عبر انقلاب في المركز. لكن أجهزة عبد الحميد اخترقت صفوفهم ، ونكلت بهم ، واضطر الكثيرون منهم إلى الهرب إلى الخارج ، وخصوصا إلى باريس.
وفي باريس التقى الكاتب السياسي الفلسطيني النشيط ، نجيب عازوري ، مع