الصهيونية ، فظلت النشاطات التي قامت بها تتسم بطابع العفوية والارتجال وردّات الفعل.
وتجدر الإشارة إلى أن الوعي المناهض للمشروع الصهيوني ، بصيغة جميعها : فكريا وسياسيا أو صراعا عنيفا ، لم تطبقه الحركة القومية العربية على اليهود ، لأنهم يهود ، وإنما انطلق من قاعدة سياسية ، ليست اجتماعية ولا دينية ، كما كان الحال في أوروبا. وكذلك كان موقف السلطة العثمانية ، التي لم تقف مكتوفة الأيدي إزاء النشاط الصهيوني الذي يستهدف قطعة أرض معينة من أراضي السلطنة. فمنذ البداية ، أصدر الباب العالي التعليمات إلى قناصله في الدول المتعددة ، بإبلاغ اليهود الراغبين في الهجرة إلى فلسطين ، بأنه لن يسمح لهم بالاستيطان في فلسطين كأجانب ، وبأن عليهم اكتساب الجنسية العثمانية ، والالتزام بالقوانين السارية في الولايات التي يرغبون الإقامة الدائمة فيها. ومن ناحية مبدئية ، لم تكن السلطات العثمانية تعارض إقامة اليهود في أراضيها ، فقد كانت أعداد منهم منتشرة فيها ، واعتبرتهم إحدى «الملل» المعترف بها في السلطنة ، ولكنها كانت تعارض هجرتهم إليها من الدول الأخرى ، والتوجه إلى فلسطين تحديدا ، في إطار الامتيازات الممنوحة للدول الأجنبية ، أو على أساس «براءة» خاصة تقدم للمنظمة الصهيونية من قبل السلطان.
كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن الأوساط المحافظة (الرجعية) العثمانية والعربية ، كانت أكثر تشبثا بمبدأ عدم السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين ، وتصلبا في مواجهة محاولات الصهيونية اختراق هذا الحاجز ، عبر الأوساط الإصلاحية (التقدمية). وبذلك كان المحافظون أكثر انسجاما مع المزاج الشعبي من الإصلاحيين النخبويين. ولعل التعبير الأبرز عن ذلك يتمثل بموقف السلطان عبد الحميد الثاني المستبد ، الذي لم يتزحزح عن معارضته للأهداف الصهيونية في فلسطين ، وذلك على الرغم من الإغراءات كلها التي قدمت له من الصهيونية وأعوانها ، في مقابل الموقف المائع لحزبي تركيا الفتاة والحرية والائتلاف. وعلى العموم ، ظل الموقف الرسمي العثماني ، حتى نهاية الحرب العالمية الأولى ، مناهضا للمشروع الصهيوني ، وثابتا في وجه المحاولات الصهيونية كلها لتغييره ، أو التخلي عنه. كما أقدمت السلطات العثمانية على اتخاذ إجراءات لمنع المهاجرين اليهود من الدخول إلى فلسطين بالوسائل الملتوية. فأصدرت تعليمات إلى متصرف القدس ببذل كل الجهود للحؤول دون وصول المهاجرين من روسيا ورومانيا وبلغاريا إليها. وجرى اتخاذ إجراءات مماثلة في بيروت واللاذقية وحيفا. ولكن الموظفين العثمانيين لم يتقيدوا دائما بالتعليمات ، كما استغل عملاء الصهيونية فسادهم وجشعهم للمال ، فقدموا لهم