السماسرة العاملين لمصلحة الحركة الصهيونية. ويورد محمد روحي الخالدي في مخطوطة كتابه عن الصهيونية (١٩١١ م) أن البائعين كانوا من الملاكين الغائبين ، وبعضهم من أسر لبنانية ، أو فلسطينية من طبقة «الأفندية» ، أو الحكومة العثمانية التي كانت تبيع أراضي الفلاحين العاجزين عن دفع الضرائب بالمزاد العلني. وفي الواقع ، فإن ارتفاع أسعار الأراضي بصورة غير طبيعية ، وبالتالي ازدهار السمسرة بالعقارات ، شكلا حافزا للحكومة العثمانية على تشديد القيود على عمليات البيع ، وتشكيل اللجان للتدقيق في نقل الملكيات ، والأخرى العاملة في أوساط الرأي العام للتحريض ضد تلك العمليات. وقد بلغت مساحة الأراضي التي اشتراها الصندوق القومي اليهودي ، عشية الحرب العالمية الأولى نحو ٧٠٠ ، ٤٢٠ دونم ، أقيم عليها ٤٧ مستعمرة في مناطق متعددة من فلسطين.
وعلى الرغم من بروز «المسألة الصهيونية» ، وبالتالي «القضية الفلسطينية» في «الحركة القومية العربية» ، وخصوصا «الوطنية الفلسطينية» ، قبل الحرب العالمية الأولى ، فإن الأولوية في النشاط السياسي العربي كانت للعلاقة مع الدولة العثمانية ، من جهة ، ومع الدول الأوروبية ودورها في دعم الاستقلال العربي ، من جهة أخرى. في المقابل ، ففي الفترة إياها ، حسم الأمر داخل «الحركة الصهيونية» على اعتماد فلسطين قاعدة للمشروع الصهيوني ، ورفض الأمكنة الأخرى البديلة. وبناء عليه ، شكلت هذه المرحلة ، وعلى هذا الأساس ، بداية تمايز مضمون «الحركة الوطنية الفلسطينية» من «الحركة الأم» (القومية العربية) ، لما تميّز به ذلك المضمون من تركيز على الصهيونية. وقد وجهت صحيفتا «الكرمل» و «فلسطين» نقدا شديدا إلى المؤتمر العربي الأول (١٩١٣ م) في باريس ، لأنه ركز مداولاته على مسألة الاستقلال الذاتي ، ولم يول اهتماما كافيا للمسألة الصهيونية. هذا على الرغم من وحدة موقف القوى السياسية الفلسطينية من الصهيونية ، وتعاطف القوى القومية العربية مع هذا الموقف ، لكن القضية الملحّة في المؤتمر كانت تتمحور حول مصير العلاقة بين الأمة العربية والدولة العثمانية ، الأمر الذي حسمته الحرب العالمية الأولى.