الوجود القومي ، الذي هو السبيل لإخراجهم من حالة الاغتراب التي يعيشونها بين ظهراني تلك الشعوب المحيطة بهم.
وفي ربيع سنة ١٨٨٢ م تشكلت في روسيا أول حركة استيطانية صهيونية ، هي حركة «بيلو» ، التي اشتق اسمها من الأحرف الأولى للكلمات العبرية «بيت يعقوف لخو فنلخا» (سفر أشعيا ٢ / ٥) ، والتي تعني «هيا يا بيت يعقوب لنمضي معا» ، والترجمة الرسمية لها في التوراة (العربية) «يا بيت يعقوب هلمّ فنسلك في نور الرب.» وكان أعضاء الحركة من طلاب جامعة خاركوف الروسية. ووصل فريق طلائعي منهم إلى يافا في صيف سنة ١٨٨٢ ، ثم تبعته جماعات أخرى. في المقابل ، انتشر عدد من أعضاء الحركة في أرجاء روسيا لتأسيس فروع أخرى لها. وأسست الحركة مكتبا رئيسيا في خاركوف ، كما أجرت اتصالا مع السير موزس مونتفيوري ولورنس أوليفانت في بريطانيا ، للحصول على دعمهما المادي والمعنوي والسياسي لمبادرة الاستيطان في فلسطين. ثم أقامت مكتبين آخرين في أوديسا وإستنبول ، الأول لتنظيم الهجرة ، والثاني للعمل في العاصمة العثمانية ، وعبر قناصل الدول الأجنبية ، وخصوصا بريطانيا ، على نيل الموافقة العثمانية على شراء الأراضي في فلسطين وتوطين المهاجرين الصهيونيين عليها.
بذلك بدأت الهجرة الصهيونية الأولى ، التي انطلقت تحت اسم بيلو ، ثم غيرته إلى أحباء صهيون (١٨٨٧ م) ، في روسيا ورومانيا وبولونيا. وفي سنة ١٨٨٢ م أسس المهاجرون ثلاث مستعمرات ، هي : ريشون لتسيون (الأولى في صهيون) ، بالقرب من عيون قارة في السهل الساحلي إلى الجنوب من يافا وزخرون يعقوف (زمارين) ، في سفوح جبال الكرمل الجنوبية الشرقية وروش بينا (رأس الزاوية) ، بالقرب من الجاعونة ، بين طبرية وصفد ، والتي بناها مستوطنون من رومانيا. وفي السنة التالية ، أقاموا يسود همعلا على شاطيء بحيرة الحولة ونيس تسيونا في الساحل الجنوبي ، وكذلك جددوا الاستيطان في بيتح تكفا (ملبّس). وفي سنة ١٨٨٤ م أقاموا مستعمرة غديرا (قطرة) في السهل الساحلي الجنوبي. وبعد توقف دام ستة أعوام ، عادت حركة الاستيطان ، وتجددت لفترة قصيرة (١٨٩٠ ـ ١٨٩١ م) ، إذ أسست مستعمرة رحوفوت (ديران) ، إلى الجنوب من يافا ، وموتسا بالقرب من القدس ، وحديرا (الخضيرة) بين يافا وحيفا (١٨٩٤ م). ولاحقا (١٨٩٦ م) ، أقيمت مستعمرة بئير طوفيا (قسطينة) في الجنوب ومتولا (المطلة) في أقصى الشمال.
وحركة أحباء صهيون ، التي كان العامل الخارجي ـ الاضطهاد الروسي ـ الأكثر فعلا في نشوئها ، تطلعت إلى إنشاء مركز قومي يهودي في فلسطين ، عبر الاستيطان.