الإرشاد والدعم المادي إلى تولي موظفي البارون المسؤولية عن عملية الإنتاج ، وتحويل المستوطنين إلى عمال مأجورين خاسرين ، يدفع لهم البارون مخصصات بحسب عدد أفراد العائلة ، وليس بحسب إنتاجها ، وبالتالي اتخذ هذا الاستغلال طابع العمل الخيري ، الذي لم يلبث أن كشر عن أنيابه ، بفعل فساد موظفي البارون. وانهارت المثل التي حملها المستوطنون من أحباء صهيون ، وخضع البعض إلى إرادة الموظفين ، وسلك سبيل التدليس لهم والانتهازية ، بينما تمرد البعض الآخر ، فقمع بقسوة. وقد حدث ذلك بعد زيارة البارون لهذه المستعمرات (١٨٨٧ م) ، وتوجيهه النقد الشديد للمستوطنين على تدني مستوى عملهم وإنتاجهم.
وفي المؤتمر الرابع لحركة أحباء صهيون (١٨٩٠ م) في أوديسا ، أخذ المؤتمرون علما بأمرين مهمين : ١) تخفيف السلطة العثمانية القيود المفروضة على هجرة اليهود إلى فلسطين والاستيطان فيها ؛ ٢) موافقة الحكومتين ، الروسية والرومانية على الترخيص القانوني لحركة أحباء صهيون ، وعلى دستورها ونشاطاتها. وقد تمّ ذلك عبر تدخل الولايات المتحدة النشط لدى الباب العالي وحكومتي روسيا ورومانيا ، دعما للحركة الصهيونية في توطين اليهود بفلسطين ، ودرءا لتوجه أعداد كبيرة منهم إلى الولايات المتحدة. فانتعشت حركة أحباء صهيون مجددا ، وشكلت لجنة مركزية بقيادة بنسكر ، وفتحت لها مكتبا لشراء الأراضي في يافا ، وعادت الهجرة اليهودية تتدفق على فلسطين (١٨٩٠ ـ ١٨٩١ م) ، الأمر الذي دعا السلطات العثمانية إلى إعادة النظر في قرارها تخفيف القيود على تلك الهجرة. وقد أدّى احتجاج السكان المحليين وممثليهم في البرلمان التركي ، دورا بالتأثير على الباب العالي لاتخاذ قرار العدول عن السماح بهجرة يهود روسيا إلى فلسطين.
وإزاء رفض الحكومة العثمانية السماح للمهاجرين اليهود بالاستيطان في فلسطين بحرية ، وإصدارها التعليمات إلى متصرف القدس بالعمل على منع وصولهم إليها والإقامة فيها ، سارعت قيادة العمل الصهيوني إلى الاتصال بالوزراء العثمانيين ، عبر قناصل الدول الأجنبية في إستنبول ومنهم السفير الأميركي ، لرفع القيود عن هجرة اليهود إلى فلسطين. وبوسائل شتى ، منها الرشاوى ، جرى الالتفاف على هذا الحظر العثماني ، وصار المهاجرون يصلون إلى فلسطين بصفتهم حجاجا. وهناك ، عبر تدخل القناصل الأجانب ، ومنهم الأميركي ، وباستغلالهم فساد الموظفين العثمانيين ، وقابليتهم للرشوة ، استطاع عدد كبير من هؤلاء «الحجاج» وسواهم ممن دخل البلاد خلسة ، البقاء فيها. ومع أن الموقف الرسمي العثماني بقي من سنة ١٨٨١ م إلى سنة ١٩١٧ م يعارض الهجرة اليهودية تحت لواء الصهيونية إلى فلسطين بصورة عامة ،