تشجيع صهيوني ليهود روسيا على النزوح منها ، وبالتالي إراحة حكومة القيصر من العناصر اليهودية المشتركة في الحركات اليسارية والثورية. وفي سنة ١٩٠٤ م ، توجه هيرتسل إلى إيطاليا لمقابلة البابا بيوس العاشر ، وملك إيطاليا عمانوئيل الثالث ، للغرض نفسه ، وكان استقباله هناك فاترا. وبينما أخبره البابا أن الكنيسة لا تستطيع دعم عودة «اليهود الكفرة» إلى الأرض المقدسة ، أجابه الملك الإيطالي ببرودة شديدة هذا يعني «البناء في منزل شخص آخر.» (١) وفي تلك السنة (١٩٠٤ م) مات هيرتسل من دون أن يحقق حلمه في الحصول على البراءة الدولية ، وتاركا وراءه مؤتمرا صهيونيا منقسما على نفسه بشأن المشاريع الاستيطانية المطروحة ، وقضايا أيديولوجية متعارضة.
وهلّل الصهيونيون لانقلاب سنة ١٩٠٨ م في تركيا ، الذي قام به حزب تركيا الفتاة (جمعية الاتحاد والترقي). وسارت تظاهرات في يافا ، ترفع العلم الصهيوني الذي أقرّ في مؤتمر بازل ، وهو «ترس داود» الأزرق على خلفية بيضاء. وفي الواقع ، فإن حكام تركيا الجدد كانوا أكثر تعاطفا مع الأهداف الصهيونية ، وقد خففوا القيود المفروضة على الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وحاولت القيادة الصهيونية استغلال التناقضات التي احتدمت في إستنبول بعد الانقلاب ، بين الإصلاحيين والتقليديين ، من أجل انتزاع الامتيازات. كما حاولوا استغلال التناقضات العربية ـ التركية ، التي تصاعدت على أرضية التصادم بين النزعات القومية العربية والتركية الطورانية وسياسة التتريك التي انتهجها ساسة إستنبول الجدد. لكن ذلك لم يدم طويلا ، فلا القيادة الصهيونية كانت راضية عن التسهيلات التي قدمها الحكام الأتراك الجدد ، ولا هؤلاء استطاعوا تقديم المزيد لاعتبارات تركية ، سواء في السياسة الخارجية ـ تنافس دول أوروبا بشأن مناطق النفوذ في أراضي السلطنة ـ أو لاعتبارات داخلية ـ تنامي المعارضة العربية للسياسة التركية ، وخصوصا تساهلها مع المشروع الصهيوني ، وكذلك معارضة الأوساط التقليدية في الإمبراطورية العثمانية من منطلقات دينية.
لقد مات هيرتسل (١٩٠٤ م) من دون أن يحقق حلمه بالحصول على البراءة الدولية ، وكان على المنظمة الصهيونية أن تنتظر نتائج الحرب العالمية الأولى ، وبالتالي صدور وعد بلفور (١٩١٧ م). وكذلك ، فالنجاحات التي حققها المشروع الصهيوني الاستيطاني كانت محدودة ، سواء بسبب العقبات الموضوعية في فلسطين ، أو الانقسامات الداخلية بشأن مسألة الهجرة قبل الحصول على الترخيص الدولي
__________________
(٢) المسيري ، مصدر سبق ذكره.