وخصوصا من جانب النواب العرب والأوساط التقليدية العثمانية. في المقابل ، سرعان ما اكتشف الحكام الجدد أن الأهداف الصهيونية المطروحة تتناقض مع توجهاتهم السياسية بالحفاظ على وحدة الأراضي العثمانية ، كونها تشكّل عامل تفتت إضافي ، سواء على صعيد الأرض ، أو السكان ، أو وحدة الموقف من التدخل الأجنبي ، وبالتالي تفتح مدخلا جديدا لتوسيع النفوذ الأوروبي في أراضي السلطنة.
وفي فلسطين ، حرّك النشاط الاستيطاني الصهيوني المكثف مقاومة السكان ، من القطاعات الاجتماعية المتعددة ، وبدرجات متفاوتة من الحدة. فعلى خلفية الوعي القومي العربي الذي كان يتبلور منذ منتصف القرن التاسع عشر ، ويعبر عن نفسه بصور متعددة ، جاء النشاط الصهيوني ليحرك مقاومة السكان العرب الفلسطينيين لهجرة اليهود إلى بلدهم وشراء الأراضي فيها ، وخصوصا من الملاكين الغائبين ، وبناء المستعمرات عليها ، بعد طرد الفلاحين منها. وكذلك ، فسياسة التغلغل الاقتصادي الصهيونية ، وبالتالي تهويد اقتصاد البلد ، حرّك قطاعات اقتصادية ـ اجتماعية أخرى. وبتسارع وتيرة الاستيطان تفاقمت الأزمة ، واحتدم التناقض ، فانفجر الصراع ، بأشكال عنيفة أحيانا. وطالت أعمال العنف المستوطنين وممتلكاتهم ، وتذرع المستوطنون بتقصير السلطة في حمايتهم لانتزاع موافقة بعض الموظفين الأتراك الفاسدين على إقامة منظمات شبه عسكرية للدفاع عن المستعمرات وممتلكاتها. وقد ألزم أعضاء الهجرة الثانية المستوطنين القدامى بتوظيفهم كحراس ، وبالتالي توليهم أمن المستعمرات ، عبر منظمة «الحارس» (هشومير) المسلحة بصورة شبه علنية.
لقد حمل أعضاء الهجرة الثانية معهم من روسيا فكرة العنف المسلح لفرض وجودهم القسري على السكان العرب الفلسطينيين. وكان هؤلاء قد مارسوا مثل هذا النشاط في أوديسا وهومل وغيرهما ، في أثناء الاضطرابات في روسيا. وكان نشطاء العمل المسلح بين طلائع المهاجرين ، ومنهم : يحزقئيل خانكين ويتسحاق بن ـ تسفي ويسرائيل شوحط وإسكندر زايد وغيرهم. ومنذ وطئت أقدامهم أرض فلسطين ، ونزلوا المستعمرات القائمة كعمال ، راحوا يتآمرون لفرض حمايتهم على المستوطنين القدامى. وانتهزوا فرصة فشل ترتيبات الحراسة التي وضعها هؤلاء المستوطنون في زخرون يعقوف ورحوفوت وبيتح تكفا وريشون لتسيون ، لطرح أنفسهم حراسا على أرواح المستوطنين وممتلكاتهم. وكان هؤلاء قد وضعوا بعض الترتيبات للحراسة ، قام بها «نواطير» خيالة. ولما فشل هؤلاء النواطير في صيانة أمن المستعمرات ، استبدلوا بنواطير محليين. وانتهز المهاجرون الجدد هذا الوضع للتآمر والتحريض ، من منطلق شعار العمل العبري ، الذي حملوه معهم من