أللنبي اعترض بشدة ، وطلب تأجيل ذلك إلى أن يتقدم الجيش البريطاني ، فتواكب الانتفاضة دخوله هو إلى سورية ، ذلك لأن أللنبي لم يكن يريد أن يحرر العرب أنفسهم. وجرى الإعداد للانتفاضة في جبل العرب (الدروز) على يد سلطان باشا الأطرش ، وفي غوطة دمشق على يد محمد البكري ، مندوبا عن الأمير فيصل. وفي ١٩ أيلول / سبتمبر ١٩١٨ م ، بدأ الهجوم البريطاني من القدس في اتجاه نابلس فالناصرة. في المقابل تقدم الجيش العربي إلى درعا ، وقطع طريق الانسحاب على الجيش العثماني المتراجع بصورة فوضوية. ووقع في أسر أللنبي ٠٠٠ ، ٧٢ جندي تركي و ٤٠٠٠ ألماني. ودخل الجيش العربي دمشق في ٣٠ أيلول / سبتمبر ١٩١٨ م ، قبل الجيش البريطاني بيوم واحد. وفي ٨ تشرين الأول / أكتوبر ١٩١٨ م ، احتل الإنكليز بيروت ، وبعدها طرابلس في ١٨ تشرين الأول / أكتوبر ١٩١٨ م ، ومن ثمّ حلب ، كبرى مدن شمال سورية في ٢٦ تشرين الأول / أكتوبر ١٩١٨ م.
في ٣٠ تشرين الأول / أكتوبر ١٩١٨ م استسلمت تركيا ، ووقّع ممثلوها صك الاستسلام على ظهر السفينة الحربية البريطانية «أغاممنون» ، التي رست في مودروس (ميناء جزيرة ليمنوس في بحر إيجة). وبموجب هذا الصك ، استسلمت القوات العثمانية جميعها في الولايات العربية للحلفاء ، وأنهيت الإدارة العثمانية فيها. وبذلك وصل الحكم العثماني في الوطن العربي إلى نهايته ، بعد أربعة قرون ، وبدأت مرحلة جديدة ، سمتها الحقيقية الاحتلال ، تحت يافطة «الانتداب». ففي ٣٠ أيلول / سبتمبر ١٩١٨ م ، يوم دخل الجيش العربي دمشق ، وقّعت بريطانيا وفرنسا في لندن اتفاقية تحدد نظام احتلال البلاد. فكانت القيادة العليا بيد الجنرال أللنبي. أمّا الإدارة المدنية ، فقد قسمت بين الحلفاء. وتولت فرنسا شؤون لبنان وغرب سورية بصورة مباشرة ، وداخل سورية بصورة مداورة. واحتفظت بريطانيا بإدارة فلسطين مباشرة ، وشرق الأردن مداورة. وعهد إلى فيصل ، بصورة غامضة ، إدارة الداخل في بلاد الشام ، بينما ظل والده ، الشريف حسين ، أميرا على الحجاز. ولكن هذا الوضع ما لبث أن تغير أيضا ، ليصبح أكثر انسجاما مع مخططات فرنسا وبريطانيا الاستعمارية. وهكذا ، وبينما كان العرب يحاربون إلى جانب الحلفاء ، ويقومون بدور فعال في تصفية الحكم العثماني بالوطن العربي ، كان ساسة دول أوروبا ، وخصوصا بريطانيا وفرنسا ، يتآمرون عليهم لحرمانهم من الاستقلال الذي تطلعوا إليه عبر هذا التحالف. وقد عبرت اتفاقية سايكس ـ بيكو ، ومن بعدها وعد بلفور ، عن عملية الخداع الكبرى التي مارستها هاتان الدولتان الإمبرياليتان. فبموازاة المفاوضات التي كانت تجريها مع الشريف حسين ، وتقدم له من خلالها العهود ، كانت بريطانيا تتقدم