وفي باريس ، وتحت تأثير براندايس ، وزميله ، الحاخام وايز ، برز انحياز الرئيس الأميركي ولسون إلى الصهيونية. وكان تأثيره في أعمال المؤتمر كبيرا ، وخصوصا ما يتعلق منها بدعم المطالب الصهيونية في فلسطين ، التي تولى معالجتها وزير الخارجية الأميركي ، لانسنغ ، الصديق المجرب للصهيونية ، ومعه مستشار الرئيس ، هاوس ، حلقة الاتصال مع الوفد الصهيوني الأميركي. والواقع أن طروحات الرئيس الأميركي بشأن مستقبل فلسطين ، كانت تتمتع بموافقة كبيرة في أوساط المشاركين في المؤتمر ، على عكس منظوره للنظام العالمي الجديد ، الذي تضمنته المبادىء الأربعة عشر التي تقدم بها بشأن تقرير المصير للشعوب الواقعة تحت حكم أجنبي.
وفي المؤتمر ، تميّز الموقف الأميركي بازدواجية المعايير ، والتأرجح بين القيم الإنسانية والمثل العليا التي يطلقها الرئيس ولسون ، وبين الانحياز الصارخ إلى المزاعم الصهيونية ، وبالتالي النشاط المحموم الذي يمارسه أعضاء الوفد الأميركي لدعم مطالبها ، بتنسيق تام بين المستشار هاوس ووفد المنظمة الصهيونية الأميركي. وهذا إن دل على شيء ، فعلى أن واشنطن كانت تعمل لخدمة مصالحها الإمبريالية ، القائمة على «سياسة الباب المفتوح» ، من خلال تجسيد الأهداف الصهيونية في فلسطين. وليس أدق في التعبير عن ذلك من سلوك لويس براندايس في المؤتمر ، إذ وصل حدّا من الجرأة حين خاطب أعضاءه من رؤساء الدول المشاركة ، في برقية تؤكد على المطالب الصهيونية. وقد دعا ذلك المندوب الفرنسي إلى الردّ على البرقية قائلا «إن القاضي براندايس يتمتع بنظرة مبالغ بها جدا لأهميته.» والأكيد أنه ما كانت لبراندايس هذه الثقة بالنفس ، وهو قاض في المحكمة العليا الأميركية ، وليس عضوا في الوفد الأميركي إلى المؤتمر ، لو لا الدعم الذي كان يتلقاه من الإدارة الأميركية ، ومن المؤسسات المالية الصهيونية ، التي كان لها مساهمة كبرى في النصر الذي حققه الحلفاء في الحرب. وبناء عليه ، رأى المؤتمرون إرسال رد إلى براندايس ، يشرحون فيه مواقفهم من برقيته ، وليس ذلك إلّا لأنهم كانوا يعرفون جيدا أن الرد إلى براندايس هو رسالة إلى الإدارة الأميركية. وإزاء الدعم الكبير الذي كانت تتمتع به الصهيونية في المؤتمر (بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان) ، كانت بريطانيا تمارس الضغط والابتزاز على الأمير فيصل ، وتخوفه من الأطماع الفرنسية في سورية ، وتحثه على المرونة إزاء المشروع الصهيوني. وتدعي الأوساط الصهيونية أن حاييم وايزمن ، بوساطة بريطانية ، توصل إلى اتفاق مع فيصل. وبحسب الاتفاق ، قبل فيصل من حيث المبدأ وعد بلفور ، شرط تحقيق المطالب التي ضمّنها في مذكرة إلى الحكومة البريطانية في ٤