نطاق ضيق ، في موقع تل أسود. غير أن التعبير الأكثر دلالة على مستوى تطور هذه الصناعة المهمة ، والتي أصبحت الأساس لتمييز الحضارات اللاحقة ، جاء من منطقة العمق ، شمال سورية ، ومنها انتشر في أرجاء الشرق القديم.
ويبدو أن صناعة الفخار وصلت متأخرة إلى فلسطين ، وربما من سورية ، إذ تشير الدلائل المتوفرة إلى استخدامه في فترة مبكرة أكثر. وبناء على ذلك ، تعتبر سورية موطن الفخار الأول. وتقدم منطقة العمق صورة عن تتالي المراحل في تطور هذه الصناعة وانتشارها ، منذ بداية الألف السادس قبل الميلاد. وبينما تكشف هذه الصورة عن استمرارية حضارية في سورية ، فإنها تظهر فجوة في فلسطين تم تخطيها لاحقا. ويستخلص الباحثون من ذلك قيام هجرات من سورية إلى فلسطين في فترة ما بعد الفخار ، أعطت دفعا لمستوطنات قديمة ، مثل أريحا ، وإقامة أخرى جديدة ، مثل المنحتة ، بالقرب من بيسان ، وتل الأقحوانة ، في دلتا اليرموك ، التي أطلق عليها اسم الحضارة اليرموكية.
وتقابل حضارة العمق في سورية حضارة جبيل في لبنان ، التي تحتل موقعا متميزا على الساحل ، شمالي بيروت ، من عصر النيوليت الفخاري في بلاد الشام. وهاتان الحضارتان تعاصران مرحلة «حلف» الوسطى في العراق. ويظهر التأثير السوري على صناعة الفخار الأولى في فلسطين في عدد من المواقع ، وخصوصا في منطقة الحولة : عين الملاحة وعينان وتل القاضي وغيرها ، حيث وجدت الأواني الفخارية المشابهة لتلك التي اكتشفت في تل الرماد ، في الجزء الجنوبي من سورية. أمّا في الأردن ، فهناك الكثير من المواقع التي تعود إلى هذا العصر : البيضا (شمال البتراء) وعين غزال (بين عمان والزرقاء) وغيرهما.
ومع انتهاء مرحلة النيوليت ما قبل الفخار ، والتي عرفت باسم الحضارة الطاحونية ، والموقع النموذج لها هو أبو غوش ، بالقرب من القدس ، ظهرت في فلسطين ثلاث حضارات فخارية ، هي : اليرموكية والساحلية (وخصوصا في وادي رباح بالقرب من رأس العين) والمنحتة (غور بيسان). وفي هذه المرحلة حدثت تغيّرات متعددة ، أكثرها وضوحا كان في مجال الأواني الفخارية من حيث الإتقان والألوان والزخارف ، فضلا عن تنوع الأشكال. كما استبدلت البيوت المستديرة بأخرى مستطيلة ، مؤلفة من غرفتين أو ثلاث. وبينما كانت الطاحونية تنحصر في الجنوب والصحراء ، دخلت كما يبدو شعوب أخرى من الشمال والشرق ، حملت معها إلى فلسطين صناعة الفخار.
وأهمية الحضارة اليرموكية ، تل الأقحوانة ، أنها تمثل المرحلة المبكرة لصناعة