والاجتماعية لم تكن مهيّأة للتجاوب مع المطالب الصهيونية المتسرعة من جهة أخرى. فقادة اللجنة الصهيونية ، متسلحين برسالة من حكومة بريطانيا إلى الإدارة العسكرية ، وعلى أرضية وعد بلفور ، والتفاهم مع بعض أعضاء حكومة لندن ، من دون البعض الآخر ، كما خطط سايكس وبلفور ، وبالاستناد إلى الموقف المتطرف للفرع الأميركي من المنظمة الصهيونية ، كما عبر عنه براندايس ، كانوا يضغطون على الإدارة العسكرية لتحويل فلسطين إلى «وطن قومي يهودي» بأسرع ما يمكن. واشتكى قادة الإدارة العسكرية من سلوك اللجنة الصهيونية إلى حكومتهم ، لكنها كانت منحازة إلى الصهيونية ، ولديها حسابات اقتصادية وتمويلية تستوجب منها استرضاء الولايات المتحدة. لقد أرادت اللجنة الصهيونية توظيف الإدارة العسكرية ، بإمكاناتها السياسية والقمعية ، في خدمة البرنامج الصهيوني ، الأمر الذي اعتبرته الإدارة العسكرية عملا طائشا ، قد يكلف بريطانيا ثمنا باهظا. فعمدت إلى التباطؤ ، الأمر الذي أدّى إلى توتير علاقتها مع اللجنة الصهيونية ، وبالتالي حدوث حالة من عدم الثقة بين حكومة لندن والمنظمة الصهيونية. وأخيرا ، استبدلت الحكومة البريطانية الإدارة العسكرية بأخرى مدنية ، على رأسها هربرت سامويل ، أحد أهم أقطاب الصهيونية في بريطانيا.
لقد كان على رأس هموم القيادة العسكرية البريطانية في الشرق الأوسط تأمين قناة السويس ، وفي هذا السياق رأت أهمية فلسطين الاستراتيجية. وإزاء المقاومة العربية لوعد بلفور ، راح أركان تلك القيادة يشككون في سلامة قرار حكومتهم جعل فلسطين «وطنا قوميا يهوديا». ولم يتعاطف كلايتون مع المشروع الصهيوني ، فنقل إلى القاهرة ليتولى إدارة المكتب السياسي هناك. وعندما عبّر عن شكوكه بشأن المشروع الصهيوني أعيد إلى لندن. وكذلك فعل خلفه الجنرال موني ، فاضطر إلى الاستقالة. أمّا الجنرال بولز ، فعندما طلب صراحة من وزارة الخارجية سحب اللجنة الصهيونية ، تسبب باستبدال الإدارة العسكرية ليحل محلها «المندوب السامي» ، بإدارته المدنية ، وليبدأ إعداد فلسطين كي تصبح «أرض ـ إسرائيل» ، عبر تهويدها. وكان من أهم نقاط الخلاف بين اللجنة الصهيونية والإدارة العسكرية ، إصرار الأولى على تشكيل كتائب عسكرية ، تدعم مشروعها الاستيطاني بالقوة المسلحة ، ورفض الثانية لذلك ، على اعتبار أنه يجعل وجودها لزوم ما لا يلزم. ولكن الإدارة العسكرية خسرت معركتها السياسية ، فأبعدت عن تولي شؤون فلسطين ، لتفسح في المجال أمام اللجنة الصهيونية التقدم نحو أهدافها عبر إدارة الانتداب.
وكان الفشل كذلك من نصيب لجنة كنغ ـ كرين الأميركية ، التي تشكلت في أثناء انعقاد مؤتمر باريس ، بمبادرة من الرئيس ولسون ، وبالاستناد إلى اقتراح تقدم به