بزعامة براندايس ، أكثر تصلبا في المطالبة بتنفيذ تلك التعهدات ، حتى لو أدّى ذلك إلى إحراج الحكومة البريطانية ، التي ، كما يبدو ، لم يكن كل أعضائها متحمسين لوعد بلفور بالدرجة نفسها. وطالبت اللجنة الصهيونية إعلان العبرية لغة رسمية في البلاد ، والعلم الصهيوني علم البلاد ، وتغيير اسم فلسطين إلى «أرض ـ إسرائيل» ، وتشكيل إدارة للأراضي والتوطين وقوة عسكرية وشرطة مدنية ، وإلزام الإدارة العسكرية بالتشاور مع اللجنة الصهيونية في كل الشؤون السياسية المتعلقة بالبلد ، وفي المحصلة خلق نواة «الدولة اليهودية». وإزاء هذا التصرف الأرعن ، توترت العلاقة بين هذه اللجنة والإدارة العسكرية ، فاشتكت اللجنة لحكومة بريطانيا سلوك رجال هذه الإدارة ، فأصدرت لهم الأوامر بالتنسيق التام مع قادة اللجنة ، واستدعت بعضهم إلى لندن ، ونقلت آخرين من مواقعهم ، وأخيرا استبدلت الإدارة العسكرية كلها بأخرى مدنية (١٩٢٠ م).
وعلى أرضية الاحتكاك بين لجنة المندوبين الصهيونية والإدارة العسكرية البريطانية ، التي كانت تابعة لقيادة الجنرال أللنبي العامة ، تقلب عدد من الجنرالات على الحكم العسكري في فلسطين. فبداية تولى الجنرال كلايتون منصب المدير العسكري ، وكان يشغل سابقا منصب «الضابط السياسي العام» في «المكتب العربي» في القاهرة. فعيّن الكولونيل ستورز حاكما للقدس (كانون الأول / ديسمبر ١٩١٧ م). ثم جرى استبدال كلايتون بالجنرال موني (٥ نيسان / أبريل ١٩١٨ م) ، الذي نحي عن منصبه تحت ضغط المنظمة الصهيونية ، بعد أن وجه إلى سلوكها نقدا شديدا لضيق ذرعه بفجاجة تصرف أعضاء لجنة المندوبين. وفي آب / أغسطس ١٩١٩ م ، عيّن الجنرال واطسون خلفا لموني ، لكنه لم يكن أوفر حظا ، فاستبدل في كانون الأول / ديسمبر ١٩١٩ م بالجنرال بولز ، الذي لم يعجب لجنة المندوبين أيضا. وبسحبه من منصبه ، وتعيين هربرت سامويل (تموز / يوليو ١٩٢٠ م) مندوبا ساميا في فلسطين ، انتهى عمل الإدارة العسكرية ، وبدأت الإدارة المدنية ، وبالتالي تجسيد سياسة الانتداب في فلسطين ، قبل ان يقر ذلك في عصبة الأمم ، أو يتمّ الاتفاق النهائي عليه بين فرنسا وإنكلترا رسميا ، وقبل أن يتم التوصل إلى معاهدة نهائية مع تركيا.
لقد وقعت الإدارة العسكرية البريطانية في فلسطين بين مطرقة اللجنة الصهيونية وسندان المقاومة العربية. ولم تكن تلك الإدارة ترفض وعد بلفور من منظور استراتيجي ، بقدر ما وجدت أن التكتيكات الصهيونية تؤدي إلى نتائج عكسية ، وذلك نظرا إلى المقاومة العربية المتصاعدة ، من جهة ، ولأن أوضاع البلد الاقتصادية