طويلة ، ودخلت في ترسيمها اعتبارات متعددة ، أعطت الأولوية لمصالح الدولتين الاستعماريتين ، وكذلك لمتطلبات المشروع الصهيوني. أمّا السكان المحليون فقد أهملت مصالحهم وعلاقاتهم وتطلعاتهم السياسية. وبالنسبة إلى بريطانيا ، كان الاعتبار الأول حماية قناة السويس ، الأمر الذي يجعل فلسطين على نفس الدرجة من الأهمية مثل مصر ، كما كان الخبراء العسكريون يطرحون. وكذلك أرادت بريطانيا أن تضمن للمشروع الصهيوني مستلزمات التحول إلى ظاهرة قابلة للحياة ، من الأراضي الخصبة والمياه والمرافق والموارد الطبيعية. وبالنسبة إلى فرنسا ، كما إلى بريطانيا ، أدّت المطامع الاقتصادية دورا مهما ـ موانىء وشبكات مواصلات وموارد طبيعية وثروات معدنية ... إلخ. وبعد مفاوضات طويلة ، تمّ الاتفاق في ٢٣ كانون الأول / ديسمبر ١٩٢٠ م على رسم الحدود ، ثم جرى عليها تعديل لتستجيب أكثر للمطالب الصهيونية ، وخصوصا في الشمال الشرقي ، حيث منابع نهر الأردن. ولكن هذه الحدود لم تثبت على الأرض حتى سنة ١٩٢٦ م. وعلى العموم نجحت بريطانيا في قضم مناطق حدودية من سورية ، وضمها إلى فلسطين ، لتصبح لاحقا من نصيب الكيان الصهيوني الذي يجري العمل على تأسيسه.
لم ترض الصهيونية بالحدود التي رسمتها اتفاقية ٢٣ كانون الأول / ديسمبر ١٩٢٠ م ، وشجعتها بريطانيا على المطالبة بتوسيعها ، وخصوصا في الزاوية الشمالية ـ الشرقية ، إذ لم تكن هذه الاتفاقية تضم كل بحيرة طبرية وسهل الحولة ومنابع الأردن. وبعد أخذ ورد ، تمت اتفاقية ٣ شباط / فبراير ١٩٢٢ م بين بريطانيا وفرنسا ، وفيها تعديل على الحدود السابقة ، فأصبحت الحدود السياسية لفلسطين تحت الانتداب. وفي التعديل دخلت كل بحيرة طبرية في فلسطين ، كذلك قرية الحّمّة الواقعة على نهر اليرموك ، إلى الجنوب الشرقي من البحيرة. كما جرى توسيع حدود سهل الحولة شرقا ، بحجة حفر قنوات مياه ، ودخلت بحيرة الحولة كلها في فلسطين ، وكذلك تمددت الحدود في الشمال لتضم منابع الأردن كلها تقريبا ، وخصوصا نهر دان (تل القاضي) ، بالقرب من بانياس ، وبعيدا داخل لبنان في مجرى الحاصباني. ويبرز هذا التعديل على صورة نتوء شمال فلسطين (إصبع الجليل) ، طوله نحو ٢٢ كلم ، وعرضه ١٤ كلم ، وتبلغ مساحته ٣٢٥ كلم (٢). وواضح أن هذا التعديل يستهدف منابع نهر الأردن ، إضافة إلى المسطّحين المائيين العذبين ـ طبرية والحولة ـ مع ما يلحق بذلك من الأراضي الخصبة.
وهكذا تمّ ترسيم حدود فلسطين وإقرارها في الوثائق الدولية ، على أساس المصالح الاستعمارية والصهيونية ، من دون الالتفات إلى رغبات السكان المحليين ،