فلسطين عن سورية. ونشطت الجمعيات والهيئات والشخصيات والصحافة في تفنيد المزاعم الصهيونية بشأن «الحق التاريخي» لليهود في فلسطين. وعلى سبيل المثال ، رفعت الجمعية الإسلامية ـ المسيحية الفلسطينية عريضة إلى مؤتمر السلم العام ، أعربت فيها عن تمسك عرب فلسطين ببلدهم ورفضهم الشديد لفكرة الوطن القومي اليهودي والهجرة الصهيونية. وناشدت المؤتمر ألّا يتجاهل الحق العربي المطلق والأكثرية العربية ، فيسمح للأقلية اليهودية بالمطالبة بإنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين ، «بينما تبين جميع الحقائق الدامغة (أن اليهود ليس لهم من الأملاك أو الحقوق التاريخية أو عدد السكان في فلسطين ما يخولهم حق المطالبة والادعاء).» (١)
لكن النشاطات العربية ـ الفلسطينية الموجهة إلى مؤتمر باريس للسلام كانت في واد ، والمؤتمرون في واد آخر. وبينما العرب ينادون بالوحدة والاستقلال ، ويطالبون الحلفاء الوفاء بتعهداتهم ، كان هؤلاء يتخاصمون على تقسيم الوطن العربي بينهم. وعندما اتضحت للعرب نوايا فرنسا وبريطانيا ، ظلّوا يعلقون الأمل على الموقف الأميركي المنادي بحق تقرير المصير للشعوب. وبناء عليه ، وعندما علم العرب بقدوم لجنة كنغ ـ كرين ، سارعوا إلى عقد المؤتمر السوري العام ، الذي ضمّ مندوبين عن سورية ولبنان وفلسطين ، وذلك للاتفاق على صيغة الموقف الذي سيرفع إلى «الوفد الأميركي المحترم في اللجنة الدولية.» وعقد المؤتمر في دمشق (٣ تموز / يوليو ١٩١٩ م) ، بحضور فلسطيني كبير نسبيا (١٥ من مجموع ٦٩ عضوا). واعتبرته الحركة الوطنية في فلسطين مؤتمرها الأول ، وتبنت قراراته قاعدة للسياسة التي سارت عليها في مواجهة المشروع الصهيوني والاحتلال البريطاني. ولا غرو ، فالحركة الوطنية في فلسطين ، إزاء المشاريع الإمبريالية المطروحة ، تأكدت أن الأفق مسدود أمام أي مشروع قطري بالنسبة إليها ، وإذا كان هناك من أمل في تحقيق أهدافها ، كليا أو جزئيا ، فذلك سيكون من خلال المشروع القومي ، والتمسك بالشعارات التي رفعتها الحركة القومية العربية بالاستقلال والوحدة ، وبالتالي التنسيق مع قيادتها في دمشق.
وعلى الرغم من اتفاق بريطانيا وفرنسا على تقسيم بلاد الشام بينهما (١٩١٩ م) ، ومن ثم ترسيم الحدود بين انتدابيهما (١٩٢٠ م) ، فقد ظلت الحركة الوطنية الفلسطينية وثيقة الصلة بالحركة القومية العربية. ففي ٢٧ شباط / فبراير ١٩٢٠ م ، عقد المؤتمر العربي الفلسطيني الثاني في دمشق ، تكريسا للعلاقة القومية ، ورمزا لوحدة النضال ضد
__________________
(١٠) المصدر نفسه ، ص ٢١٤.