ومع تكشف عملية الخداع التي مارسها الحلفاء على الحركة القومية العربية ، وافتضاح مؤامراتهم على تقسيم الوطن العربي إلى مناطق نفوذ لهم ، تمحور الهمّ العربي (دمشق) على الاستقلال. ومع أن لا تعارض نظريا بين الهمّين ـ العربي والفلسطيني ـ إذ لم يبرز هذا التعارض في المرحلة المبكرة ، إلّا إنه مع اشتداد الهجمة الإمبريالية ـ الصهيونية ، وتقسيم البلاد العربية ، أصبحت الحركة العربية بمجملها في موقع الدفاع عن النفس ، وتركزت أولوية كل جانب فيها على مشكلاته المباشرة. وراحت الاتصالات بين الأجزاء تضعف ، وبالتالي يأخذ النشاط طابعا إقليميا ، شكلا ومضمونا. وتظهر مؤشرات ذلك في قرارات المؤتمر العربي الفلسطيني الأول ، إذ رفعت شعارات الوحدة والاستقلال ، لكن الأساس تمحور حول الخطر الصهيوني المتفاقم ، وفي المقابل ، صار الهمّ في دمشق الحفاظ على الاستقلال في مواجهة الخطر الفرنسي الداهم.
وفي الواقع ، فإنه إزاء الوضع الذي تشكل بعد الحرب ، وعلى أرضية المشاريع المطروحة بالنسبة إلى الوطن العربي ، لم يعد الاستقلال على رأس هموم الحركة الوطنية في فلسطين ، بقدر ما أصبح همها إنقاذ البلد من براثن الصهيونية. ولا غرو أن هذه الحركة كانت معنية بتوثيق الارتباط بالحركة القومية الأم ، لكن الواقع فرض نفسه بقوة. لقد أصبحت فلسطين تحت الاحتلال البريطاني ، وتسيطر عليها إدارة عسكرية ، بينما المنظمة الصهيونية تحاول الانقضاض عليها لتهويدها. في المقابل ، كانت الحركة القومية في دمشق ، وإزاء مشاريع الانتداب ، وبعد أن أعلنت حكومتها ، تصارع على البقاء في مواجهة فرنسا الطامعة باحتلال سورية ، وذلك من دون الاستناد إلى دعم أكيد من بريطانيا ، التي راحت تعد للانسحاب منها. وبناء عليه ، أعربت قرارات المؤتمر الذي عقد في القدس عن الرغبة في اعتبار فلسطين جزءا لا يتجزأ من سورية ، بعد منحها الاستقلال الناجز ، كما عبرت عن الرفض القاطع لتهويد فلسطين على قاعدة وعد بلفور. ومع ذلك ، طلب المؤتمر من بريطانيا «الصديقة» العون على تطوير البلد وتحسين أوضاع سكانه ، ووعد بالحفاظ على علاقات طيبة مع الحلفاء. وأبلغ المؤتمر مضمون قراراته إلى مؤتمر باريس للسلام ، لتعزيز موقف الوفد العربي هناك برئاسة الأمير فيصل. كما أرسل وفدا إلى دمشق لإبلاغ الوطنيين العرب هناك مضمون القرار الذي يدعو إلى تسمية فلسطين «سورية الجنوبية» ، وتوحيدها مع «سورية الشمالية». واعتمدت قرارات المؤتمر أساسا لكل الشهادات المقدمة إلى لجنة كنغ ـ كرين الأميركية ، التي بدأت عملها في فلسطين في ١٠ حزيران / يونيو ١٩١٩ م. وتوالت بعد المؤتمر المذكرات وعرائض الاحتجاج ضد وعد بلفور وسلخ