مسيحية ، انطلاقا من الوعي الذي ساد أن المشروع الصهيوني ينطلق من أرضية يهودية. ومن هنا ، رأى رجال هذه اللجان في بريطانيا طرفا ثالثا ، تجري مناشدته التخلي عن دعم هذا المشروع ، من أجل الحفاظ على الصداقة مع العرب. وكانت هذه اللجان خطوة أولى نحو التنظيم السياسي ، من جهة ، وتعميق الوعي بطبيعة المشروع الصهيوني ، من جهة أخرى ، الأمر الذي أدّى إلى وقوع صدامات عنيفة مع المستوطنين ، على الرغم من وجود الحكم العسكري البريطاني. وقد تشكلت تلك اللجان من الوجهاء والأعيان والملاكين ورجال الدين والمثقفين ورجال الأعمال. وإذ ظلت ترفع شعار الاستقلال والوحدة العربية ، فإنها لم تدع إلى مقاومة الاحتلال البريطاني ، وإنما شدّدت على مناشدته الوقوف في وجه الأهداف الصهيونية ، وعلى دعوة حكومة بريطانيا إلى الوفاء بتعهداتها للعرب ، عشية اندلاع الحرب وفي أثنائها. وفي ظل الاحتلال ، وبينما راحت الحركة القومية العربية ، في دمشق ، تركز اهتمامها على الاحتلال الجديد ، بهدف تحقيق الاستقلال ، راحت الحركة الوطنية الفلسطينية مع الوقت تركز على درء الأخطار الصهيونية ، التي تهدد مستقبل البلد وسكانه.
وردّا على مؤتمر يافا الصهيوني ، الذي دعت إليه لجنة المندوبين (كانون الأول / ديسمبر ١٩١٨ م) ، وخرج بقرارات بعيدة الأثر بالنسبة إلى «تهويد فلسطين» الفوري ، عقد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول في القدس في ٢٧ كانون الثاني / يناير إلى ١٠ شباط / فبراير ١٩١٩ م. وقد تنادى المؤتمرون للنظر في المطالب الفلسطينية من مؤتمر باريس للسلام ، على قاعدة تقرير المصير ، وتحديد الموقف من المشروع الصهيوني ، وذلك بعد أن راحت عناصر ذلك المشروع وغاياته تتكشف بوتيرة متسارعة ، نتيجة النشاط الذي تمارسه لجنة المندوبين برئاسة وايزمن. وكان هذا الأخير قد التقى عددا من الوجهاء العرب في يافا (٨ أيار / مايو ١٩١٨ م) ، بعد وصوله إلى فلسطين بفترة وجيزة ، وبناء على اقتراح من الإدارة العسكرية البريطانية. وحاول وايزمن تهدئة مخاوف السكان العرب من الصهيونية. لكن تسارع البيانات والتصريحات ، واستعجال مطالب لجنة المندوبين ، وسلوك المؤسسات الاستيطانية الصهيونية ، كشفت زيف كلام وايزمن مع الشخصيات الفلسطينية.
في هذه الفترة ، كانت بلاد الشام كلها تحت الحكم العسكري البريطاني. وكانت قد تشكلت في دمشق حكومة عربية بقيادة الأمير فيصل (٣٠ أيلول / سبتمبر ١٩١٩ م) ، وكانت الحركة الوطنية الفلسطينية على صلة وثيقة مع الحركة القومية العربية في دمشق. إلّا إنه إزاء النشاط الصهيوني المتزايد في فلسطين ، وانكشاف وعد بلفور ، وما نجم عنه ، راح الهمّ الفلسطيني يتركز حول المشروع الصهيوني. في المقابل ،