وقال : «إن توزيع الدول الكبرى للانتدابات ليس قانونيا ، ولا يمكن الاعتراف به.» وأيّد مندوب بلجيكا (هيماش) ذلك معلنا أن المجلس الأعلى للحلفاء خالف ميثاق عصبة الأمم وأحكام القانون عندما وزع الانتدابات بين بعض أعضائه. وأكد رجل القانون الدولي ، فوشيل ، «أن اختيار الدول المتحالفة الكبرى بريطانيا العظمى للانتداب على فلسطين قد جرى خلافا لأحكام ونص المادة ٢٢ من ميثاق العصبة. فهو إذن باطل من الوجهة القانونية ولا يقام له وزن.» (١)
وصك الانتداب الذي صاغته حكومة بريطانيا ، يتضمن في ديباجته وعد بلفور. وقد واجهت صيغته معارضة قوية داخل الحكومة ، فكان من أشد المعترضين عليه وزير الخارجية اللورد كيرزون. وتعليقا على مهمة الانتداب في تهيئة فلسطين ، سياسيا وإداريا واقتصاديا ، لإنشاء «وطن قومي يهودي» ، قال كيرزون : «إن الصهاينة يعملون على إقامة دولة يهودية يكون العرب فيها حطابين وسقائين وكذلك الكثيرون من المتعاطفين البريطانيين مع الصهاينة.» وأكد وزير الخارجية البريطاني : «إن أحدا لم يستشرني أبدا فيما يتعلق بصك الانتداب هذا في مرحلة سابقة ، ولا أدري من أي مفاوضات ينبع أو على أي تعهدات يستند .. إنني أعتقد أن المفهوم بأكمله خاطىء.» وأضاف كيرزون بلهجة ساخرة : «هنا بلد به ٠٠٠ ، ٥٨٠ عربي و ٠٠٠ ، ٣٠ يهودي ... وانطلاقا من مبادىء تقرير المصير النبيلة وانتهاء بنداء رائع موجه إلى عصبة الأمم ، نشرع الآن في وضع وثيقة تمثل ... دستورا معلنا لدولة يهودية. ولا يسمح حتى للعرب المساكين إلّا بأن ينظروا من ثقب المفتاح بوصفهم طائفة غير يهودية.» (٢) ولدى مناقشة صك الانتداب في مجلس اللوردات ، كانت الأغلبية ضد تضمينه وعد بلفور. وردّا على مداخلة اللورد بلفور ، التي دافع فيها عن سياسته الموالية للصهيونية والداعمة لمطالبها ، قال اللورد سيدنهام : «إن الضرر الناجم عن إلقاء شعب أجنبي على عربي ـ والعرب في كل مكان بالمنطقة الخلفية ـ قد لا يعالج أبدا ... فما فعلناه بتنازلاتنا لا للشعب اليهودي وإنما لقطاع متطرف صهيوني ، هو أننا بدأنا قرحا نازفا في المشرق ، ولا أحد يدري إلى أي مدى سيمتد هذا القرح.» (٣) وقد صوت مجلس اللوردات بإلغاء وعد بلفور من صك الانتداب ، لكن مجلس العموم ثبته في ديباجة ذلك الصك ، فقبلته الحكومة ، وأصبح الأساس لسياستها الرسمية. وبناء
__________________
(١٥) «الموسوعة الفلسطينية» ، القسم العام ، المجلد الأول (دمشق ، ١٩٨٤) ، ص ٣١٠ ـ ٣١١.
(١٦) الأمم المتحدة ، مصدر سبق ذكره ، ص ٣٥ ـ ٣٦.
(١٧) المصدر نفسه ، ص ٣٨.