عليه ، تبنّته في عصبة الأمم ، وأقر فيها على الرغم من تناقضه مع ميثاقها ، وأصبح ساري المفعول رسميا بعد معاهدة لوزان ، إذ جرى الصلح مع تركيا ، مع أنه كان قد طبق فعليا على الأرض منذ تموز / يوليو ١٩٢٠ م.
لقد استند الانتداب ، وبالتالي إدارته في فلسطين برئاسة المندوب السامي إلى الاحتلال العسكري وموازين القوى الدولية ، وليس إلى الشرعية القانونية ، أو المعايير الأخلاقية أو الأعراف السياسية. ولم يكن في وسع الحركة الوطنية الفلسطينية أن تمنعه ، لكنها لم تستسلم لإرادته أيضا. وبالتناسب مع الحماسة لتهويد فلسطين ، الذي بادرت إليه إدارة سامويل ، كانت ردة فعل الحركة الوطنية الفلسطينية ، أخذا في الاعتبار قدرتها الذاتية على التصدي للانتداب وإجراءاته. ولما كانت مهمة الانتداب المركزية هي تهويد فلسطين ، فقد عمدت إدارة سامويل إلى سنّ التشريعات وإصدار المراسيم التي تمهد الطريق لذلك. وتهويد فلسطين يعني نقل ملكية الأرض فيها من أيدي سكانها الأصليين إلى المستوطنين ، وتغيير الواقع الديموغرافي بفتح أبوابها للهجرة اليهودية المكثفة ، وتمكين المستوطنين من السيطرة على اقتصاد البلد ، عبر مؤسسات الحكم والإدارة. وقد بادرت إدارة سامويل إلى ذلك ، حتى وإن كانت المنظمة الصهيونية لا تزال غير مؤهلة لتولي هكذا مسؤولية. وفي غياب الآهلية الصهيونية لتهويد فلسطين باليهود ، بقي لها الخيار الأفضل الثاني ، وهو تغييب سكانها العرب عنها ، وبالوسائل المتعددة.
وبالاستناد إلى تخويله سنّ القوانين وإصدار التشريعات ، عمد المندوب السامي ، مباشرة بعد تسلمه مهماته ، إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى تعزيز الاستيطان الصهيوني في البلد. فقد أصدر «قانون الهجرة» (١٩٢١ م) ، الذي يسمح بدخول ٥٠٠ ، ١٦ مهاجر يهودي إلى فلسطين سنويا. ثم جرى تعديل هذا القانون في السنوات ١٩٢١ و ١٩٢٥ و ١٩٣٣ م لزيادة عدد المهاجرين المسموح لهم بدخول البلد. وكان التعديل الأخير سنة ١٩٣٣ م ويسمح بدخول أكبر عدد ممكن من يهود أوروبا ، بعد وصول الحزب النازي ، بزعامة أدولف هتلر ، إلى الحكم في ألمانيا. وكذلك ، أصدر سامويل قانون نقل ملكية الأراضي (١٩٢٠ م) ، بغية تسهيل استملاك الأرض من قبل المؤسسات الاستيطانية الصهيونية. كما أصدر القوانين التي تضيق الخناق على الفلاحين العرب ، مثل «قانون أراضي المحلول» ، الذي يمنع الفلاحين من توسيع أراضيهم الزراعية ، كما كانت العادة في أيام الأتراك. وكذلك «قانون الأرض الموات» ، الذي يحظر على الفلاحين ضم «الموات» إلى ملكيتهم ، كما كان الحال أيام العثمانيين. وواضح أن جملة هذه القوانين تخدم الأهداف الصهيونية