في تهويد فلسطين ، وتغييب سكانها العرب الأصليين.
ولتسهيل سيطرة الاستيطان الصهيوني على نواحي الحياة في فلسطين ، اعترفت إدارة الانتداب بالمؤسسات الصهيونية التي أقيمت لذلك الهدف. ومن بين هذه المؤسسات : الوكالة اليهودية ، التي مهمتها تهويد السكان عبر الهجرة والاستيطان ؛ والصندوق القومي اليهودي (هكيرن هكييمت) لتهويد الأرض عبر الاستملاك بشتى الوسائل ؛ ونقابة العمال اليهود (الهستدروت) لتهويد العمل والاقتصاد. وعلاوة على ذلك منحت إدارة الانتداب امتيازات على أراض واسعة وموارد طبيعية لشركات استيطانية صهيونية ، لتقام عليها مشاريع الري والكهرباء واستخراج المعادن والأملاح وصناعة الأسمنت وغيرها. وبفضل الامتياز الذي أعطي لمشروع روتنبرغ ، ولمدة سبعين عاما ، تمّ احتكار توليد الكهرباء في فلسطين كلها تقريبا. وقد حصل صاحب المشروع (روتنبرغ) على الامتياز من إدارة سامويل (أيلول / سبتمبر ١٩٢١ م). وبسبب خلافات بين الشركاء ، تأخر الامتياز الذي منح لشركة بوتاس البحر الميت حتى سنة ١٩٢٧ م ، وكان لمدة ٧٥ عاما. في المقابل لم يمنح امتياز واحد للعرب الفلسطينيين ، بل على العكس ، جرى التضييق على أصحاب بعض المشاريع الصغيرة لإكراههم على بيعها ، كما حدث مع شركة كهرباء القدس ومشروع ري الحولة (عين الملاحة) والحمة (المياه الكبريتية).
وفي الواقع ، فإن حكومة الانتداب ، التي رأت مهمتها المركزية تجسيد وعد بلفور ، كان لا بدّ من أن تتخذ الإجراءات اللازمة لذلك ، وتغطيها بتشريعات تضفي عليها السمة القانونية. فقد صفّت البنك الزراعي الذي أقيم تحت الحكم العثماني لمساعدة الفلاحين ، وفرضت على هؤلاء ضرائب باهظة أغرقتهم بالديون. وسنّت قوانين تخدم تجنيس المهاجرين اليهود ، بعد أن فتحت أمامهم أبواب البلاد على مصراعيها. كما أجرت مسحا للأراضي ، وفرزت أملاك الدولة ، ليسهل بيعها أو نقل ملكيتها. ومنحت المؤسسات المالية الصهيونية ، العامة والخاصة ، امتيازات اقتصادية. وسمحت للمؤسسات الاستيطانية التصرف بحرية لتهويد الأرض والسكان والاقتصاد والعمل. ولكن الأهم هو السلوك ، بناء على صك الانتداب ، إزاء الهيئات الصهيونية على أنها سلطة موازية لحكومة الانتداب ، تشارك في صنع القرار بالنسبة إلى جميع نواحي الحياة بالبلد. بل أكثر من ذلك وبسبب علاقتها مع حكومة لندن ، صارت الهيئات الصهيونية بمثابة رقابة على حكومة الانتداب ، وبالتالي موجهة لأعمالها.
لقد كان من شأن الأوضاع التي تشكلت في فلسطين تحت الانتداب أن تولد صراعا مثلث الجوانب ، يزداد حدة ، أو يتراجع ، وفقا لاحتدام التناقض الناجم عن