الانتداب» بحيث تلبي المطالب الصهيونية إلى حد كبير. ثم استبدلت الإدارة العسكرية ، خارج الأعراف الدولية ، بأخرى مدنية أكثر استجابة لإملاءات المشروع الصهيوني. وعينت على رأسها أحد مهندسي ذلك المشروع في بريطانيا ، ودعمته بعدد من الموظفين الموالين للصهيونية ليتسلموا المواقع المفصلية في إدارته. ثمّ حولت المسؤولية عن فلسطين من وزارة الخارجية ، حيث تصاعد النقد لوعد بلفور وسياسته ، إلى وزارة المستعمرات ، التي كان على رأسها أحد الأقطاب الداعمين للصهيونية ، ونستون تشرشل (كانون الثاني / يناير ١٩٢٠ م). ثمّ فصلت فلسطين عن شرقي الأردن (آذار / مارس ١٩٢١ م). ومنذ البداية ، حتى في ظل الحكم العسكري ، اعترفت بريطانيا بالمنظمة الصهيونية شريكا في الحكم في فلسطين ، عبر لجنة المندوبين ، كما خصّت الاستيطان الصهيوني بمعاملة متميّزة في ظل الانتداب ، تتيح له التطور السريع ليشكّل الركيزة التي يقوم عليها «الوطن القومي اليهودي» ، واتخذت من الإجراءات الإدارية والتشريعية ما يمهد السبيل أمام ذلك.
ومنذ أن تولى منصبه كمندوب سام ، شرع سامويل في تنفيذ المهمة التي جاء من أجلها ، وضع البلاد في «حالة سياسية واقتصادية وإدارية» ، تؤدي إلى قيام «الوطن القومي اليهودي» ، كما ينص عليه صك الانتداب ، الذي جهد سامويل نفسه في صوغه وتمريره في المؤسسات الحاكمة في بريطانيا. وإضافة إلى الهيئات الصهيونية العاملة على تهويد فلسطين ، عبر أشكال متعددة من المؤسسات الاستيطانية ، أقام سامويل إدارة حكومية ، كان جلّ كبار المسؤولين فيها من الملتزمين بالصهيونية ومشروعها ، سواء كانوا يهودا أو بريطانيين. ولإضفاء طابع من الشرعية على السلطة التنفيذية التي يترأسها ، عين سامويل «مجلسا استشاريا» مؤلفا من ٢١ عضوا ، ١٠ منهم موظفون يتولون المناصب الإدارية العليا ، و ١٠ آخرون تمّ اختيارهم على أساس طائفي : ٤ مسلمون و ٣ مسيحيون و ٣ يهود ، ويرئس المندوب السامي هذا المجلس أيضا. وعقد المجلس أول جلساته في ٦ تشرين الأول / أكتوبر ١٩٢٠ م. وفي شباط / فبراير ١٩٢٢ م ، وبالتشاور مع لجنة المندوبين ، أصدر سامويل «القانون الأساسي» ، الذي استبدل ب «دستور فلسطين» (١٠ آب / أغسطس ١٩٢٢ م) ، بعد إقرار صك الانتداب في عصبة الأمم. والمندوب السامي كان مسؤولا أمام وزير المستعمرات في لندن ، وهو الحاكم الأعلى ، وكذلك المشرّع الأول في فلسطين.
وقد تضافرت جهود سامويل وإدارته مع نشاط المؤسسات والهيئات الصهيونية ، في فلسطين وخارجها ، لدفع الأمور نحو المزيد من التوتير ، وبالتالي انفجار العنف في البلد. ولم تفلح مناورات سامويل في استيعاب الحركة الوطنية الفلسطينية ،