ومن حجم دورها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ، داخل التجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين وخارجه. فبمرور الزمن أصبحت تملك ، منفردة ، أو بالاشتراك مع رأس مال حكومي ، خاص ، أو أجنبي ، عشرات الشركات الكبيرة ، في حقول الإنتاج الصناعي والزراعي ، وكذلك التسويق والتصدير والاستيراد والنقل البري والبحري والجوي ، والبناء والاستثمارات الخارجية والصناعات التحويلية والاستهلاكية. هذا فضلا عن دورها الكبير في بناء وتطوير الاستيطان الزراعي التعاوني. فالهستدروت تملك على سبيل المثال شركة «تنوفا» للتسويق الزراعي ، و «هامشبير» للتسويق الصناعي والاستهلاكي ، و «سوليل بونيه» للبناء و «كور» للصناعة الثقيلة ، وغيرها. كما أن للهستدروت مؤسسات مالية : بنكا وصندوق تسليف وشركة إسكان وشركة تأمين وصندوقا للمرضى وصندوق ضمان اجتماعي ، كما تملك صحفا ومجلات ونوادي ثقافية ومسارح وغيرها.
ومن خلال نشاطها تبرز الهستدروت ليس كمنظم للعمال ورعاية مصالحهم في المشروع الصهيوني ، وإنما كصانع للطبقة العاملة ذاتها ، وكأداة للحركة الصهيونية في تهويد اقتصاد فلسطين. فمنذ البداية ، تبنت شعار «العمل العبري» ، الذي كان يعني في الحقيقة مقاطعة العمل العربي ، وكذلك شعار «السوق اليهودية» ، أي مقاطعة المنتوجات العربية. وقد نمت عضويتها بسرعة ، فقفزت من ٤٤٣٣ لدى تأسيسها سنة ١٩٢٠ م إلى ٢٧٥ ، ١٥ سنة ١٩٢٦ م ، فإلى ٣٧٨ ، ٢٥ سنة ١٩٣٠ م ، فإلى ٨١٨ ، ٨٥ سنة ١٩٣٦ ، وإلى نحو ٠٠٠ ، ٢٠٠ في نهاية عهد الانتداب (١٩٤٨ م). وتوسع نشاطها لتصبح العمود الفقري لاقتصاد الاستيطان الصهيوني قبل قيام إسرائيل ، وحتى بعده ، إذ ظلت الهستدروت المستخدم الأكبر بعد الحكومة. وكذلك فقد قامت الهستدروت بإنشاء البنية التحتية للكيان الصهيوني قبل الإعلان عن استقلاله.
ولعل أكثر ما يكشف طبيعة الهستدروت الاستيطانية احتضانها منظمة «الهاغاناه» الإرهابية. فالنشاط الذي مارسته الهستدروت لتهويد فلسطين ، كان لا بدّ من أن يصطدم بمقاومة الفلسطينيين ، ذلك بأنه يرمي إلى نفي علاقتهم بوطنهم وتغييبهم عنه ، وهذا لا يمكن أن يتم بالوسائل السلمية. وفي الواقع ، فقد وعى قادة العمل الصهيوني مبكرا ، أن مشروعهم لا يمكن أن يتجسد إلّا من خلال استعمال العنف الفاشي المسلح ضد أهل البلد الأصليين. وحاول هؤلاء بناء قوة عسكرية خلال الحرب العالمية الأولى ، وبعد الحرب ، عملوا على نقلها إلى فلسطين لتشكل نواة «الوطن القومي اليهودي» فيها. غير أن هذا المسعى اصطدم بمعارضة الإدارة العسكرية البريطانية ، من جهة ، وبعقبات تنظيمية صهيونية ذاتية ، من جهة أخرى. وفي إطار