اقتصاد البلد ، وإخراج السكان المحليين من دورته.
وفي مقدمة قرار تأسيس الهستدروت ، الذي اتخذ في مؤتمر عقد في حيفا من ٤ إلى ٩ كانون الأول / ديسمبر ١٩٢٠ م ، ورد ما يلي : «إن هدف النقابة الموحدة لجميع العمال والفلاحين الذين يعيشون بعرق جبينهم ، دون استغلال جهود الآخرين ، أن تسير قدما في عملية استيطان الأرض ، وأن تتدخل في كل المسائل الاقتصادية والثقافية التي تمس العمل في فلسطين ، وأن تبني مجتمع عمال يهوديا هناك.» وقد عبر رئيس حكومة إسرائيل الأول ، بن ـ غوريون ، عن طبيعة الهستدروت بقوله : «ليست الهستدروت نقابة عمالية ولا حزب سياسي ، ولا هي تعاونية أو جمعية لتبادل المنفعة ، إنها أكثر من ذلك. فالهستدروت هي اتحاد شعب يقوم ببناء موطن جديد ودولة جديدة وشعب جديد ، ومشاريع ومستعمرات جديدة ، وحضارة جديدة. إنها اتحاد للمصلحين الاجتماعيين ، لا تمتد جذوره إلى بطاقة عضويته الخاصة ، بل إلى المصير المشترك والمهمات المشتركة لجميع أعضائه في الحياة والموت.» وبذلك لا تكون الهستدروت نقابة عمالية ، بقدر ما هي ركيزة استيطانية أساسية. (١)
والهستدروت ، إضافة إلى كونها نقابة العمال الكبرى في المشروع الصهيوني ، وفي فترات محددة ، النقابة العمالية الوحيدة ، كانت من أرباب العمل ، وأحيانا ربّ العمل الأكبر في ذلك المشروع. فقد نمت بسرعة كبيرة لتصبح الجسم الاقتصادي الرئيسي للمستوطنين ، متخذة صيغة «قطاع عام». وبذلك لم تكن هيئة ممثلة للعمال في مواجهة أرباب العمل فحسب ، بل كانت مستخدما لقطاع واسع منهم أيضا. ولا غرو ، إذ انطلقت من فكرة «غزو سوق العمل» ، ومن المبدأ الصهيوني الاستيطاني القائل بتهويد الاقتصاد ـ الإنتاج والتسويق والخدمات. وبصفتها هذه أدّت دورا سياسيا مهما في نشر الفكر الصهيوني والترويج له على الصعيد الدولي ، عبر العلاقات التي أقامتها مع نقابات العمال العالمية. كما أدّت دورا بارزا في ترسيخ الثقافة الصهيونية بين المستوطنين ، وساهمت في تمكينهم من نقل هذه الثقافة إلى حيز التطبيق العملي ، عبر الكثير من المؤسسات والمنظمات والشركات والمرافق والمستعمرات الزراعية والأحياء السكنية في المدن. هذا إضافة إلى الخدمات الطبية والضمانات الاجتماعية والتسهيلات المالية.
وتتضح أهمية الهستدروت في المشروع الصهيوني من اتساع مجال نشاطها ،
__________________
(٢٣) عبد الوهاب المسيري ، «موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية» (القاهرة ، ١٩٧٤) ، مادة «الهستدروت».