وبمرور الزمن ، تحوّلت هذه المنظمة الإرهابية إلى جيش صهيوني ، تولى سنة ١٩٤٨ م فرض الأمر الواقع على فلسطين بقوة السلاح ، وأرغم أهلها على النزوح والجلاء عن وطنهم. وقامت الهاغاناه ، أكثر من أية مؤسسة استيطانية صهيونية أخرى ، من حاضنتها في الهستدروت بحسم الصراع بشأن فلسطين سنة ١٩٤٨ م ، بالعنف المسلح ، وليس بامتلاك الأرض ، أو تهويد السكان والسوق.
وانطلاقا من وعيهم لطبيعة مشروعهم الاستيطاني ، فقد توصل قادة العمل الصهيوني إلى ضرورة استعمال العنف المسلح ضد الشعب الفلسطيني لإخضاعه لإملاءات ذلك المشروع. وبعد الحرب العالمية الأولى ، بذل هؤلاء جهودا كبيرة لحمل سلطات الاحتلال البريطاني على السماح للوكالة اليهودية بتوسيع الفرقة اليهودية ليصل عدد أفرادها إلى ٠٠٠ ، ٢٥ رجل ، فتكون الأداة التنفيذية لتحقيق وعد بلفور. وكانت هذه الفرقة ، التي بلغ عدد أفرادها ٥٠٠٠ رجل ، قد انتقلت في نهاية الحرب إلى فلسطين ، لتكون في استقبال البعثة الصهيونية برئاسة وايزمن ، ولتشارك ، ولو اسميا ، في استكمال احتلال فلسطين ، بما يدعم الدعوى الصهيونية عليها. لكن الإدارة البريطانية لم تتحمس للفكرة. وإزاء الأوضاع التي تشكلت في فلسطين ، انقسم المعسكر الصهيوني بين دعاة تشكيل جيش علني بموافقة بريطانيا ، يعمل على احتلال فلسطين بالقوة ، وبين دعاة الانصراف إلى تسليح جماعات الهاغاناه ، كمنظمة عسكرية سرية ، تحت ستار الدفاع عن النفس ، وترك المسؤولية الأمنية العامة في يد سلطات الاحتلال البريطاني.
وبينما تزعم زئيف جابوتنسكي التيار الداعي إلى تشكيل جيش علني ، ونظم مجموعات مسلحة من دون ترخيص ، فقد وقف الجناح الموالي لحاييم وايزمن مع الهاغاناه السرية. وبسبب الخلافات بين الفريقين بشأن هذه المسألة من جهة ، وعدم حماسة المستوطنين للدفاع الذاتي ، وخصوصا في المستعمرات الكبيرة الأولى ، لنقص الطاقة البشرية والموارد المالية ، وعدم الثقة بقيادة الهاغاناه ، من جهة أخرى ، فقد تعثر تشكيل منظمة عسكرية واحدة بقيادة موحدة. وانصرفت الهستدروت ، بزعامة دافيد بن ـ غوريون ، سكرتيرها الأول ، إلى تنظيم الهاغاناه العمالية السرية ، بإشراف موشيه شاريت (شرتوك) ودافيد هكوهين وإلياهو غولومب. وتوجه هؤلاء إلى العمل على أسس مغايرة لتلك التي دعا إليها جابوتنسكي ، وعمدوا إلى تشكيل وحدات مسلحة من العمال ، وتوزيعها في مناطق متعددة. وظل التباين في وجهات النظر قائما ، وأدّى لاحقا إلى انقسامات وتشكيل منظمات مستقلة عن الهاغاناه ، تابعة للجناح التنقيحي. لكن الهاغاناه نفسها لم تحقق إنجازات كبيرة ، لأسباب ذاتية وموضوعية ، وخصوصا