يتلاءم مع قدرة البلد على الاستيعاب. وليس ذلك إلّا لأن سامويل أحسّ بالخطر يهدد المشروع الصهيوني بمجمله ، إذا لم يتم تدارك الوضع بخطوات تهدّىء قلق الفلسطينيين. فطلب من تشرشل التسريع في تشكيل هيئات تمثيلية في فلسطين ، والاعتراف بهيئة عربية قرينة لليهودية المنصوص عليها في صك الانتداب. لكن تشرشل لم يستجب ، بل أشار على سامويل بالتسويف ، واستغلال فرصة عيد ميلاد الملك ، ليضمن خطابه في المناسبة (٣ حزيران / يونيو ١٩٢١ م) ما من شأنه تهدئة مخاوف العرب من سياسة بريطانيا القائمة على وعد بلفور. فأكد سامويل في الخطاب أن بريطانيا لا تفرض على الفلسطينيين سياسية مناقضة لمصالحهم الدينية والسياسية والاقتصادية.
لكن خطاب سامويل لم يغير كثيرا ، لأنه لم يعالج أسباب التوتر بصورة جدية. وكانت لجنة هايكرافت أوردت في تقريرها ، الذي قدمته في تشرين الأول / أكتوبر ١٩٢١ م أن الاضطرابات تعود إلى الأسباب التالية : ١) معارضة الفلسطينيين للصهيونية ولسياسة الانتداب الرامية إلى تهويد فلسطين ، وليس لمنفعة جميع سكانها ؛ ٢) الامتيازات التي تتمتع بها الوكالة اليهودية بما يجعلها حكومة داخل حكومة ، ٣) تدفق المهاجرين اليهود على البلاد ، ضمن خطة سياسية للاستيلاء عليها ؛ ٤) قلق العرب الفلسطينيين على مصيرهم ، وسخطهم لحرمانهم من الاستقلال. وقال التقرير «إذا كان قد ظهر في البلاد شيء من شعور العرب ضد البريطانيين ، فإنه يرجع إلى أن الحكومة مقرونة في أذهان العرب بتعضيد السياسة الصهيونية.» وبيّن التقرير وحدة الموقف الفلسطيني من الصهيونية لدى أبناء جميع الطوائف ، وأشار إلى الوعي السياسي العميق لأخطار الصهيونية بين فئات الشعب الفلسطيني ، وأوصت اللجنة بضرورة حماية حقوق هذا الشعب في وطنه إزاء النوايا الصهيونية ، التي يجري التصريح عنها من قبل المسؤولين في الوكالة اليهودية ، بأنه «ليس من الممكن أن يكون في فلسطين سوى وطن قومي واحد ، هو اليهودي.» (١)
وقدّر سامويل أن التسرع في تنفيذ سياسة «الوطن القومي اليهودي» ، كما تطالب المنظمة الصهيونية ، وتضغط على حكومتي لندن وفلسطين لفرضها قسرا على أهل البلد الأصليين ، قد تؤدي إلى نتائج عكسية ، تهدد مصير المشروع الصهيوني. وبناء عليه ، ولامتصاص ردات الفعل في فلسطين ولتخفيف حدة المعارضة المتزايدة في لندن للانتداب وأهدافه ، عزم سامويل على اتباع سياسة مرحلية ، تتسم بالمرونة ،
__________________
(٢٥) المصدر نفسه ، ص ١٠٠٩ ـ ١٠١٠.