الانتداب دوليا. وقد تمّ ذلك في ٢٤ تموز / يوليو ١٩٢٢ م ، إذ صادق عليه مجلس العصبة ، ليصبح نافذ المفعول رسميا في ٢٩ أيلول / سبتمبر ١٩٢٣ م ، بعد توقيع تركيا على معاهدة لوزان ، وتنازلها الرسمي عن الولايات العربية التي كانت تحت حكمها. ومع أن بريطانيا بادرت إلى ممارسة الانتداب على فلسطين عمليا منذ سنة ١٩٢٠ م ، فقد تأخر إقرار صك الانتداب لإتاحة الفرصة أمام الدول الكبرى لتسوية المسائل العالقة بينها في إطار اقتسام غنائم الحرب. وفي هذه الأثناء تمت تسوية الحدود بين الانتدابين ـ البريطاني والفرنسي ـ وفصل الأردن ليكون إمارة هاشمية. وكذلك سويت الخلافات بين لندن وواشنطن بشأن الانتداب على فلسطين. وكانت واشنطن تلوح بمعارضة الانتداب البريطاني ، على الرغم من دعمها للمنظمة الصهيونية. وبعد أن حصلت على اعتراف بمصالحها الاقتصادية والثقافية في المنطقة ، تمت الموافقة على وعد بلفور ، بقرار مشترك من مجلسي الشيوخ والنواب ، ووقّعه الرئيس هاردنغ (حزيران / يونيو ١٩٢٢ م). ووافقت واشنطن على الانتداب عندما تبلورت نتائج المفاوضات مع بريطانيا ، التي أدّت إلى «الاتفاق الأنكلو ـ أميركي» (١٩٢٤ م) ، إذ ضمنت الولايات المتحدة امتيازات لشركات أميركية ، أهمها امتياز التنقيب عن النفط في صحراء النقب لشركة ستاندارد أويل.
وصك الانتداب وثيقة مهمة في تاريخ فلسطين الحديث ، إذ أعطى للمؤامرة الصهيونية ـ البريطانية ، المتمثلة في وعد بلفور ، شرعية دولية في قرار عصبة الأمم. وبذلك وضع النضال الفلسطيني ، لصيانة وجود الشعب ولحماية حقه التاريخي في وطنه ، ليس ضد الاستيطان الصهيوني ، ومن ورائه الانتداب البريطاني ، فحسب ، بل في مواجهة عصبة الأمم ، وما تمثله على الصعيد الدولي ، أيضا. فقد اعترفت العصبة ، من خلال الصك ، بالمنظمة الصهيونية كهيئة سياسية ، ذات شخصية اعتبارية قانونية ، تمثل يهود العالم ، وباليهود كأمة على طريق إقامة وطن قومي لهم في ظل الانتداب ، بعد أن أقرت بدعواهم الحق التاريخي في فلسطين ، في وثيقة دولية ملزمة. وفي صك الانتداب مقدمة و ٢٨ مادة. وتضمنت المقدمة نصّ وعد بلفور ، ومصادقة عصبة الأمم على الانتداب البريطاني ، الذي مبرره المعلن تهيئة فلسطين لتصبح «وطنا قوميا يهوديا». وذلك ، بحسب الصك ، بالاستناد إلى «الصلة التاريخية التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين ، والأسباب التي تدعو إلى إعادة إنشاء وطنهم القومي في تلك البلاد.»
وصك الانتداب شكل الغطاء لسياسة بريطانيا الصهيونية في تهويد فلسطين. وفضلا عن المقدمة التي وضعت الصك في إطاره السياسي ، أعطت المادة ٢ الدولة