وبلغت أرقاما لم تعرفها من قبل ، إذ ارتفع عدد المهاجرين من ٧٥٠ ، ١٠٤ حتى سنة ١٩٣٠ م ، إلى ٦٤٥ ، ٢٨٤ حتى سنة ١٩٣٦ م ، أي بزيادة ١٦٤% ، وهذا بحسب الإحصاءات الرسمية ، التي لا تتضمن الهجرة غير الشرعية ، التي تقدر بالآلاف. ولم تحاول الحكومة وضع أية قيود على هذه الهجرة الكثيفة ، التي بالتأكيد لا تتناسب مع «قدرة البلاد على الاستيعاب» ، كما كانت تؤكد دائما. في المقابل ، وما عدا العودة إلى طرح موضوع المجلس التشريعي لتهدئة الخواطر العربية كلما لاحت في الأفق بوادر التململ ، لم تقم حكومة الانتداب بأية بادرة تجاه الفلسطينيين ، من شأنها تطمينهم إلى صيانة حقوقهم وضمان أسباب معيشتهم في وطنهم ، إزاء ازدياد عدد المستوطنين ، وارتفاع نبرة الدعوة إلى إعلان فلسطين دولة يهودية ، ولو بالقوة ، التي راحت تستند أكثر فأكثر إلى منظمات إرهابية مسلحة ، وإلى مؤسسات استيطانية فاعلة. وفي كل مرة أثير موضوع المجلس التشريعي والحكم الذاتي ، استطاعت الوكالة اليهودية إحباطه ، وفرضت على حكومة الانتداب التراجع عن التعامل معه بجدية.
غير أن الأرقام التي وصلتها الهجرة اليهودية في الثلاثينات ، لم تكن نتيجة إلغاء الكتاب الأبيض لسنة ١٩٣٠ ، وتراجع حكومة مكدونالد عن موقفها من الاستنتاجات التي توصلت إليها لجان التحقيق البريطانية فحسب ، بل بسبب تصاعد النازية في ألمانيا ، وأثر ذلك في يهود أوروبا الوسطى أيضا. ففي سنة ١٩٣٣ م ، وبينما تولى أدولف هتلر السلطة الفعلية في ألمانيا ، تسلم الرئاسة في الولايات المتحدة فرانكلن روزفلت ، وبيده سلطات استثنائية للخروج من الأزمة الاقتصادية ، تحت شعارين : «النظام الجديد» داخليا ، و «الصفقة الجديدة» خارجيا. واعتمد روزفلت على مجموعة من المستشارين ، ضمت أبرز رموز العمل الصهيوني في الولايات المتحدة ، مثل : فيلكس فرانكفورتر والقاضي سامويل رونمان والأستاذ الفخري بيرنارد باروخ وناثان مريغولد وغيرهم. وهكذا تشكل وضع ملائم جدا للحركة الصهيونية لزيادة معدلات الهجرة ، مستغلة الإجراءات النازية إزاء اليهود في ألمانيا ، وأثرها في المحيط ، وخصوصا في بولونيا ، ومستفيدة من التأييد الذي توليها إياه إدارة روزفلت بتوجهاتها الجديدة ، وكل ذلك في وقت تراجعت به الحركة الوطنية الفلسطينية ، وقصّرت في أداء دور فاعل لدرء الخطر الداهم على البلد ، عبر السياسة التي انتهجتها حتى الآن.
لكن الأوضاع المواتية للعمل الصهيوني أوجدت توترا داخله ، بين تيار الوسط الذي رأى ضرورة انتهاز الفرصة وتصليب القاعدة الاستيطانية بالتعاون مع حكومة الانتداب ، وبين التيار اليميني المتطرف ، الذي طرح ضرورة انتهاز تلك الفرصة