بل انقلبت على بيانها ، وسلكت سبيلا مغايرا تماما. ومع ذلك ، لم تحز على رضى المنظمة الصهيونية ، التي رأت تيارات فيها الفرصة ملائمة لمزيد من الابتزاز. وفي المؤتمر الصهيوني السابع عشر (حزيران / يونيو ١٩٣١ م) ، طرحت مسألة العلاقة بين الحركة الصهيونية وبريطانيا ، بعد أن شعرت الأولى بقوتها إزاء الثانية. ورأى وايزمن أنه بعد رسالة مكدونالد ، التي نسخت الكتاب الأبيض ، يمكن العمل على تطوير العمل الصهيوني في إطار السياسة البريطانية ، ومن خلال التعاون مع حكومة الانتداب. لكن عددا كبيرا من أعضاء المؤتمر ، وعلى رأسهم التنقيحيون ، اتهم وايزمن بالمرونة ، وادّعى أن سياسته هذه هي التي شجعت حكومة لندن على إصدار الكتاب الأبيض. وأصرّ وايزمن على استقالته ، وانتخب ناحوم سوكولوف خلفا له ، وحاييم أرلوزوروف رئيسا للدائرة السياسية في فلسطين ، اللذان استمرا في سياسة وايزمن. أمّا التنقيحيون فانسحبوا من المؤتمر ، وأسسوا لاحقا المنظمة الصهيونية الجديدة ، الأمر الذي أدّى إلى توتر العلاقة داخل المنظمة والاستيطان ، بينهم وبين الأحزاب العمالية.
وفتح انكفاء حكومة مكدونالد الباب على مصراعيه أمام الابتزاز الصهيوني ، بالاستناد إلى الدعم الأميركي ، وبذريعة قطع الطريق على التطرف الذي يدعو إليه التنقيحيون. وبداية استبدل المندوب السامي تشانسلر ، الذي راح تحت ضغط المطالبة العربية يطرح مسألة المجلس التشريعي ، وحل محله بتوجيه من وايزمن سير آرثر واكهوب (١٩ تشرين الثاني / نوفمبر ١٩٣١ م). وعنه يقول وايزمن ، «ربما كان أفضل مندوب سام عرفته فلسطين ، وإنه كان مصداقا لظن مكدونالد ، وبرهانا على حسن اعتقاده به في تعطيل الضرر الناجم عن الكتاب الأبيض.» (١) وخلال الأعوام السبعة التي أمضاها واكهوب في فلسطين ، تطور الاستيطان الصهيوني كثيرا. فأزيلت القيود عن الهجرة ، وكذلك عن انتقال الأراضي ، ولم يحدث أي تقدم في تشكيل الحكم الذاتي التمثيلي ، الذي أصبح مطلب القيادة الفلسطينية الرئيسي ، وذلك بسبب معارضة الوكالة اليهودية له. وعلى الرغم من التراجع الذي شهده النضال الفلسطيني ، فقد راحت المنظمات الصهيونية الإرهابية تتسلح بمعرفة السلطة ، بل بتعاونها ، إذ وزعت كميات من السلاح على المستوطنين ، بحجة الدفاع ، كما ساهمت في تدريبهم على استعماله.
وفي ولاية واكهوب ، التي استمرت سبعة أعوام ، تصاعدت الهجرة اليهودية ،
__________________
(٤٢) «الموسوعة الفلسطينية» ، القسم الثاني ، المجلد الثاني ، مصدر سبق ذكره ، ص ١٠٣٠.