الجهاد المقدس ، بقيادة عبد القادر الحسيني ، ابن موسى كاظم. وعندما حلت الحكومة المجلس الإسلامي الأعلى ، وأقالت المفتي ، كما حلت اللجنة العربية العليا ، وغيرها من اللجان ، وحاولت إلقاء القبض على القيادات الوطنية (١٩٣٧ م) ، واصلت اللجنة قيادة الحركة الوطنية من بيروت ، ثم من بغداد ، ولاحقا من أوروبا التي تمكن المفتي وبعض زملائه من الفرار إليها ، وأخيرا من القاهرة.
كما تشكّل في الفترة نفسها حزبان آخران : ١) حزب الإصلاح (١٨ حزيران / يونيو ١٩٣٥ م) ، أسسه الدكتور حسين فخري الخالدي وإسحاق البديري ومحمود أبو خضرا وشبلي الجمل وفهمي الحسيني والدكتور سعد الله قسيس والحاج نمر حماد والمحامي جورج صلاح وحسني خليفة وعيسى البندك وسعد الدين الخليلي. وقد وصفه البعض أنه حزب الأعيان ، وسيطرت عليه المنافسة مع راغب النشاشيبي ، وبالتالي القرب من الحزب العربي. وأسوة بالآخرين ، دعا إلى استقلال فلسطين ، واعتبار قضيتها جزءا من القضية العربية الكبرى ، ومقاومة الاستيطان الصهيوني ، وتنمية العلاقات مع الأقطار العربية. وعندما تشكلت اللجنة العربية العليا ، كان الخالدي عضوا فيها ، من موقعه كرئيس حزب الإصلاح ؛ ٢) حزب الكتلة الوطنية (٤ تشرين الأول / أكتوبر ١٩٣٥ م) ، أسسه المحامي عبد اللطيف صلاح (نابلس). وضم مكتبه عبد الله مخلص وعبد الله متري وحمدي النابلسي وشفيق عسل. ولم يتمتع الحزب بقاعدة واسعة ، كما لم يتميز بطرحه السياسي ، أو نشاطه النضالي. ومع أنه وافق على مشروع المجلس التشريعي ، خلافا للإجماع الوطني ، فإنه عاد وانضم إلى اللجنة العربية العليا ، ممثلا برئيسه.
لكن انتظام القيادات السياسية في أحزاب ، لم يحسن أداءها النضالي كثيرا ، إذ ظلت الانقسامات مستشرية بينها ، الأمر الذي انعكس في التباين في الموقف من الانتداب. وبينما ظل الحزب العربي أكثر تصلبا إزاء التعاون مع السلطة ، فإن مواقف المعارضة ، بقيادة راغب النشاشيبي ، تميّزت بالمرونة في هذه المسألة. واستغلت السلطة الصراعات بين الأشخاص والأحزاب. وبينما الأعيان في تناحر بينهم بشأن النفوذ والسلطة ، كانت البلاد تغلي نقمة على الأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة ، التي تفاقمت في منتصف الثلاثينات. فنتيجة تدفق الهجرة اليهودية ، وتطور المؤسسات الصهيونية ، بما فيها العسكرية ، وبالتالي هيمنتها على اقتصاد البلد ، بما ينطوي عليه من حصار للاقتصاد العربي ، ومقاطعة المنتوجات واليد العاملة العربية ، وطرد الفلاحين من الأراضي التي تملكتها الحركة الصهيونية ، فقد زاد الضيق الاقتصادي على جماهير الشعب الفلسطيني ، وبالتالي التململ السياسي والاجتماعي.