فيها. ومن خلال عمله هذا ، أتيحت للقسام فرصة كبيرة للاتصال بقطاعات واسعة من السكان ، في مدينة كانت تتطور بسرعة ، وتجتذب أعدادا كبيرة من الريف ، وخصوصا من الفلاحين الذين أجلوا عن أراضيهم ، وذهبوا إلى المدينة بحثا عن العمل المأجور. وكانت حيفا في تلك الفترة قد أصبحت ميناء فلسطين الأول ، بما يفتحه ذلك من مجالات أمام الأيدي العاملة الرخيصة.
وحركة القسام ، شكلا ومضمونا ، لا تنسجم مع نمط عمل الأحزاب السياسية التي تشكلت على الساحة الفلسطينية في تلك الفترة. وإذ لم يسارع القسام إلى فتح الصراع مع تلك الأحزاب ، فإنه بالتأكيد لم ينسق عمله معها. فالإعداد للكفاح المسلح ، عبر تنظيم خلايا سرّية ، وفي قاعدة شعبية يسودها التململ ، كالتي نشط القسام في أوساطها ، لا يترك مجالا للتعاون مع الهيئات الحزبية القائمة ، بما يسود العلاقات بينها من تناحر ، وما يعتري تركيبتها من هشاشة. ومن ناحية ثانية ، وبغض النظر عن الإجراءات التنظيمية الصارمة التي اتخذها القسام في بناء حركته ، فإن حيفا ، في الأوضاع القائمة آنذاك ، لم تكن قاعدة آمنة لإدارة مثل هذا النمط النضالي ، الذي يرفع حدة الصراع إلى أعلى مستوياتها. وسرعان ما استخلص القسام هذه النتيجة ، بعد العمليات الأولى التي قامت بها مجموعاته ، والتي كانت بمثابة «إعلام مسلح» ، هدفه استنهاض الحالة الجماهيرية. واضطر القسام إلى الانتقال إلى الريف ، إذ وجد نفسه في مجابهة مفتوحة مع قوات السلطة ، قبل استعداده لمثلها ، فانتكست الحركة. ويبدو أن القسام اضطر إلى البدء بالعمليات العسكرية تحت ضغط التطورات على الساحة الفلسطينية ، وعلى جانبي الصراع ، ومن أجل استنهاض الحالة الجماهيرية للثورة. وكذلك ، فإن انتقاله إلى الريف ، كان تحت ضغط مطاردة قوات السلطة لتنظيمه ، واعتقال عدد من قادة المجموعات ومحاكمتهم. فقد قبض على صالح أحمد طه ومصطفى علي الأحمد وخليل محمد عيسى (أبو إبراهيم الكبير) وأحمد الغلاييني وأحمد التوبة. وحكم على مصطفى الأحمد بالإعدام ، وعلى الغلاييني بالسجن ٢٥ عاما. وبرّىء الآخرون لعدم وجود أدلة ضدهم.
واستشهد القسام في معركة غير متكافئة ، لا عددا ولا عدة ، مع القوات البريطانية في أحراج يعبد (قرب جنين) بتاريخ ٢٠ تشرين الثاني / نوفمبر ١٩٣٥ م. فبعد سلسلة من العمليات العصابية ، خرج الشيخ بنفسه لقيادة النضال الميداني ، فحاصرته القوات البريطانية مع أصحابه ، الذين استبسلوا في القتال ، واستشهد القسام مع عدد من رجاله ، منهم : الشيخ يوسف عبد الله وأحمد الشيخ سعيد وسعيد عطية أحمد وأحمد مصلح الحسين كما جرح عدد آخر. ونقل جثمان الشيخ إلى حيفا ، وشيع إلى مثواه