الذي لم يجرؤ على إعلان موقفه ، تحاشيا لمواجهة النقمة الشعبية الواسعة. وكان الاتجاه العام نحو استئناف الثورة ، من دون الإضراب ، لما تسبب به هذا من مصاعب اقتصادية وحياتية على الناس ، وخصوصا في المدن. لكن الانقسام أصاب الحركة ، واستغلته السلطة لضرب حالة النهوض التي ولدها مشروع التقسيم. واحتدم في هذه المرحلة الصراع بين الحاج أمين والأمير عبد الله ، تدعم الأول أغلبية الشعب الفلسطيني الساحقة والثاني أقلية من الوجهاء التقليديين وحكومة بريطانيا.
وكانت المجموعات المسلحة تتأهب لاستئناف الثورة ، حتى قبل إعلان لجنة بيل تقريرها ، وراحت تنتشر في جبال الجليل والسامرة والقدس والخليل. وبعد بيان حكومة لندن ، كثفت اللجنة العربية العليا نشاطها ، فأرسلت الوفود إلى الحكومات العربية ، تحثها على إعلان رفضها لمشروع التقسيم وإخطار بريطانيا بعواقب السياسة التي تتبعها ، وخصوصا أنها كانت تسعى لإقناع الحكام العرب بمشروع التقسيم. أمّا النشاط الأخطر فكان العودة إلى تشكيل اللجان الشعبية لاستئناف الثورة ، التي أصبحت الدعوة إليها ، والتحريض عليها ، يجريان في العلن. وكان الحاج أمين الحسيني يقود هذه الحملة ، فعمدت السلطات إلى اعتقاله في ١٧ تموز / يوليو ١٩٣٧ م ، لكنه اعتصم بالحرم القدسي الشريف ، فجرّد من جميع مناصبه وصلاحياته. وتولت الحكومة مباشرة إدارة المحاكم الشرعية وأموال الأوقاف الإسلامية لتجميد نشاط المفتي وحرمانه من الإمكانات المادية لتمويله. وبدأت العمليات العسكرية في مناطق متعددة ، خلافا لتعليمات أعوان المفتي الذين طالبوا الثوار بالتريث والإعداد من أجل «القيام بهجوم عام في يوم محدد قادم.»
ولتدعيم الموقف الفلسطيني بمساندة عربية ، وكذلك لتطويق حركة الحكومة البريطانية في الأقطار العربية للحصول على تأييدها لمشروع التقسيم ، طلبت اللجنة العربية إذنا في عقد مؤتمر عربي عام في القدس ، فرفضت حكومة الانتداب ، بذريعة أنه يزيد في حدة التوتر في البلاد. فوجّهت لجنة الدفاع عن فلسطين في سورية الدعوة إلى عقد الاجتماع ، فعقد في بلودان (٨ أيلول / سبتمبر ١٩٣٧ م) ، بحضور الكثيرين من الشخصيات العربية. وترأسه ناجي السويدي (العراق) ، وكان الأمير شكيب أرسلان والمطران حريكة نائبين للرئيس ، وعزة دروزة سكرتيرا للمؤتمر. واتخذ المؤتمرون قرارات مؤيدة للحركة الوطنية الفلسطينية ، تدعو إلى وحدة فلسطين مع البلاد العربية ، وإنهاء الانتداب ، ورفض المشروع الصهيوني ، وإقامة حكومة تمثيلية فيها ، تعقد معاهدة مع بريطانيا على قاعدة السيادة والاستقلال ، وتضمن حقوق الأقليات فيها ، وتحمي الأماكن المقدسة.