قيادة لمنطقتي غزة وبئر السبع ، بل نشطت هناك مجموعات محلية متعددة.
ومع استئناف الثورة ، كانت البلاد تحت الأحكام العسكرية ، وقائد الجيش البريطاني في فلسطين ، الجنرال ويفل هو الحاكم الفعلي ، والإدارة المدنية مهمشة. واستقدم ويفل سير تشارلز تيغارت ، الخبير بحرب العصابات في الهند ، فأعاد تنظيم الشرطة السرية ، واقترح إقامة سياج من الأسلاك الشائكة على الحدود مع لبنان وسورية والأردن ، تتخلله استحكامات حصينة ، لعزل الثوار عن عمقهم الاستراتيجي العربي. وبعد استدعاء قوات إضافية ، بدأ الجيش عمليات واسعة النطاق (حرب صغيرة) ، في نهاية سنة ١٩٣٧ م ، وقابله الثوار بمعارك مواجهة ـ عرابة البطوف ووادي العمود وأم الفحم واليامون ـ ألحق فيها الجيش خسائر كبيرة بالثوار ، واستشهد عدد من قادتهم ـ الإصبح والشيخ عطية. فتحول الثوار إلى حرب العصابات ، الأمر الذي استعصى على الجيش التعامل معه بنجاح. ويصف الكابتن أورد وينغيت الوضع بقوله : «بحلول الليل يصبح زمام الأمور في يد رجال العصابات. إنهم أحرار في زيارة القرى ليلا من دون أية مخاطرة ، ويستطيعون التحرك بلا وجل خارج الطرق الرئيسية ، ويستخدمونها أيضا عندما يجدون الأمر مريحا لهم. وبصورة عامة ، لا تتحرك الشرطة والجيش في أثناء الليل ، وعندما يفعلان ذلك فإنهما يتنقلان كالعادة في سيارات على الطرقات الرئيسية. وعندما يقعان بكمين ، كما هو متوقع ، كانا يردان بإطلاق النار ، الذي لا فائدة منه في الليل. وبعد تبادل إطلاق النار ، كانت العصابة تتمكن من الإفلات من دون مطاردتها. وكانت المفاجأة تأتي دائما من طرف العصابات لا من طرف الجيش.» (١) وشاعت في البلاد في حينه مقولة «إن البريطانيين يسيطرون على الطرق ، والعصابات تسيطر على الجبال ... مشروع تقسيم جديد ، النهار فيه للحكومة والليل للعرب.» (٢)
ولم تنفع مع الثوار الإجراءات المضادة التي عمد إليها الجيش. فالمطاردة بالجبال ثبت أن كلفتها أكبر من مردودها ، وتوظيف الوحدات الليلية الخاصة من الهاغاناه ، التي أشرف الكابتن البريطاني أورد وينغيت ، المهووس بتأييد الصهيونية ، على تنظيمها وتدريبها ، لم تجد فتيلا ، وتسخير «حرس الحدود الأردنية» في تعقب الثوار لم يحقق نتائج تذكر ، واحتلال القرى (٢٥ منها في الجليل فقط) وتثبيت مفارز عسكرية فيها لمنع الثوار من دخولها ، لم يحقق نجاحا كبيرا. لقد انتشرت الثورة في
__________________
(٤٧) «الثورة العربية الكبرى في فلسطين ...» ، مصدر سبق ذكره ، ص ١٦١.
(٤٨) المصدر نفسه ، ص ١٦٢.