العربية مع الوفد الصهيوني ، بل أدارت الحكومة البريطانية المفاوضات مع كل جانب على حدة.
وفي المفاوضات عاد الطرفان ـ العربي والصهيوني ـ إلى مطالبهما المتناقضة. وإزاء التباين في مواقف الجانبين ، وعدم التقدم في المفاوضات ، عقدت الحكومة البريطانية في ٢٣ شباط / فبراير ١٩٣٩ م لقاء غير رسمي بين الممثلين العرب واليهود ، أعلن فيه وزير المستعمرات ضرورة القيام بخطوتين : ١) إعلان انتهاء الانتداب وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة ، مرتبطة بحلف مع بريطانيا ؛ ٢) السعي لتطبيق هذا الإعلان فور حلول السلام في البلد. ويتطلب إنشاء الدولة فترة انتقالية ، يكون للحكومة البريطانية خلالها ضلع في شؤون الدولة كلها. ولم يقبل الطرفان بهذه الخطة ، إلّا إن الموقف الصهيوني كان أشدّ اعتراضا عليها. وبينما أبدى الوفد العربي مرونة في التعامل مع الطرح البريطاني ، فإن المنظمة الصهيونية رأت فيه تنكرا بريطانيا لوعد بلفور وصك الانتداب ، وتخليا عن المشروع الصهيوني الذي تدعمه الولايات المتحدة. وعليه ، أصدرت الحكومة البريطانية «الكتاب الأبيض لعام ١٩٣٩». (١)
وكمؤشر إلى تحديها لبريطانيا ، قامت المنظمة العسكرية القومية (إيتسل) بسلسلة من أعمال الاغتيال ، فقتلت بعض المارة العرب في تل أبيب ، وألقت متفجرة في السوق العربية بالقدس القديمة ، راح ضحيتها ٣ من العرب ، كما فجرت لغما كبيرا في سوق حيفا ، أدّى إلى مقتل ٢٦ عربيا. واجتمع مؤتمر المندوبين اليهودي ، وحذر من نية حكومة بريطانيا المتجهة إلى «تصفية سياسة الوطن القومي ، وتسليم الاستيطان إلى حكم عربي.» ودعا المؤتمر المستوطنين إلى عدم الخضوع لهذه السياسة ، وإلى تعبئة كل القوى للمعركة ، وتنظيم عمليات هجرة غير شرعية إلى أن «يتم إحباط المؤامرة». وأعلنت المنظمة الصهيونية الحرب على المشروع البريطاني الجديد ، وبدأت نشاطا محموما ضده ، قاده بصورة بارزة دافيد بن ـ غوريون ، وراحت المنظمة تبتعد بوتيرة حثيثة عن بريطانيا ، وتقترب من الولايات المتحدة أكثر فأكثر ، إلى أن نقلت مركزها خلال الحرب العالمية الثانية إلى أميركا. أمّا في فلسطين ، فقد بدأت فترة من التمرد الصهيوني على الانتداب البريطاني.
في المقابل تباينت الآراء في تقويم موقف اللجنة العربية العليا برفض الاستجابة للسياسة البريطانية الجديدة ، بين التأييد والإدانة. وامتد الأمر إلى تقويم نتائج الثورة بصورة عامة ، بين من يصمها بالفشل ، ومن يصفها بالنجاح. والمسألة بطبيعة الحال
__________________
(٥٢) الكيالي ، مصدر سبق ذكره ، ص ٤٠٤.