لم تكن معنية بإنقاذ يهود أوروبا ، بقدر ما كان يهمها إنقاذ المشروع الصهيوني وتوظيف مأساة يهود أوروبا في هذا السبيل.
وكان طبيعيا بعد مؤتمر بلتمور ، وما نجم عنه من نقل مركز ثقل النشاط الصهيوني إلى الولايات المتحدة ، بما يعنيه ذلك من توطيد للعلاقة بين المشروع الصهيوني والاحتكارات وبيوت المال الأميركية ، وما لهذه من تأثير في واشنطن وصنع القرار فيها ، ازدياد شقة الخلاف بين المنظمة الصهيونية والحكومة البريطانية. فقد وقعت هذه الأخيرة بين مطرقة النشاط الصهيوني ، وخصوصا عبر الإدارة الأميركية ، وسندان الشعور العربي العام المعادي للأهداف الصهيونية ، الذي راح يتغذى من افتضاح النوايا الأميركية ، مذكّرا بعملية الخداع التي مارسها الحلفاء على العرب في الحرب الأولى. وتحت وطأة الضغط الصهيوني ، من جهة ، وتنامي المعارضة العربية ، من جهة أخرى ، جرى الاتفاق بين تشرشل وروزفلت على تأجيل نشر وعود الأخير للملك ابن سعود ، وعلى ضرورة إعادة النظر في القضايا المتعلقة بفلسطين شهريا. وكان روزفلت (أيار / مايو ١٩٤٣ م) تعهد للملك السعودي بأن يعطى العرب واليهود الفرصة للتعبير عن وجهات نظرهم ، قبل اتخاذ قرارات طويلة الأمد بشأن فلسطين. وبناء على طلب وزارة الحربية الأميركية جرى التكتم على هذا الاتفاق بهدف عدم إلحاق الضرر بالمجهود الحربي للحلفاء.
وكان لا بدّ للنشاط الصهيوني المكثف على الساحة الأميركية سنة ١٩٤٣ ، من أن يترجم عمليا إلى مكاسب سياسية على الصعيد الرسمي. وفي مطلع سنة ١٩٤٤ م ، تقدم الكونغرس الأميركي بمشروع قرار يدعم برنامج بلتمور ، عبر مجموعة من الشيوخ والنواب ، سمت نفسها لجنة فلسطين الأميركية ، وضمت ٦٧ من أعضاء مجلس الشيوخ المئة ، و ١٤٣ من مجلس النواب ، الأمر الذي يشير إلى حجم التأييد للمشروع الصهيوني في المؤسسة الأميركية التشريعية ، والذي لا يمكن للإدارة الأميركية تجاهله. وتمخض النشاط الصهيوني عن التمهيد لقرار أميركي رسمي يعارض القيود التي تفرضها حكومة لندن على الهجرة اليهودية إلى فلسطين. لكن تدخل البنتاغون بشخص الجنرال جورج مارشال ، مدعما بموقف وزيري الخارجية والحرب ، أوقف إصدار القرار بحجة أنه يلحق الأذى «بالمجمع العسكري التدريبي والتمويني ، الضخم ، الذي أقيم في الدول العربية كجزء من الخطة الحربية.» ومع ذلك ، أوحى الرئيس روزفلت إلى بعض زعماء المنظمة الصهيونية أنهم يستطيعون التحدث باسمه عن موافقته على برنامج بلتمور ، والإفصاح أن الإدارة الأميركية لم توافق قط على الكتاب الأبيض (١٩٣٩ م) ، الذي يحدد الهجرة اليهودية إلى