ترتيبات ما بعد الحرب ، وفي ضوء نتائجها ، وبالتالي السياسة الاستعمارية بمجملها ، الأمر الذي راحت أميركا تعد نفسها لاستغلاله لمصلحتها. ولدى عودته من بوتسدام ، أصدر ترومان بيانا للصحافة ، جاء فيه : «إن وجهة النظر الأميركية بشأن فلسطين هي أننا نريد إدخال أكبر عدد ممكن من اليهود إليها. وبعد ذلك ستعالج بالطرق الدبلوماسية مع الإنكليز والعرب. وليست لديّ الرغبة في إرسال نصف مليون جندي أميركي للمحافظة على السلام في فلسطين.» (١)
وأرسلت إدارة ترومان ، عندما بدأت قوات الحلفاء تأهيل الأسرى وتوطينهم في أوروبا ، لجنة للتحقيق في أوضاع اليهود هناك. فعادت إلى واشنطن وقدمت تقريرا يؤكد رغبة يهود ألمانيا القوية في مغادرتها إلى فلسطين فورا. وادعى التقرير أن هناك نحو ٠٠٠ ، ١٠٠ يهودي في معسكرات الاعتقال الألمانية ، يريدون التوجه إلى فلسطين. وكتب ترومان إلى قائد القوات الأميركية في أوروبا ، الجنرال أيزنهاور بإيلاء المهجرين اليهود عنايته الخاصة ، مؤكدا له أنه على اتصال مع حكومة بريطانيا لفتح أبواب فلسطين أمام هجرتهم واستيعابهم. وفي الواقع ، بدأت السلطات البريطانية ، منذ نهاية سنة ١٩٤٥ تسمح بهجرة اليهود إلى فلسطين ، متجاهلة الكتاب الأبيض ، تحت ضغط إدارة ترومان ، الذي تواصل بوتيرة متصاعدة.
وعلى الرغم من نصائح وزارة الخارجية الأميركية بالتروي ، فإن ترومان أوغل في تأييده للمطالب الصهيونية ، والإلحاح على حكومة لندن ، وصولا إلى حد التهديد الصريح. وجاء ذلك على لسان رئيس بلدية نيويورك ، الذي خاطب حشدا صهيونيا ، وموجها كلامه إلى السفير البريطاني ، اللورد هاليفاكس ، الذي راح يتبرم بالضغط الذي يتعرض له ، فقال : «إذا كانت بريطانيا تريد أرصدة مالية ، فالسبيل الأفضل إليها أن يبرّ المستدين بوعده.» (٢) وسرعان ما تحول التنديد إلى موجة تهديد لبريطانيا وسمعتها ومستقبلها الاقتصادي. وكانت بريطانيا قد خرجت لتوها من الحرب ، منهكة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. وجاء الضغط الأميركي ليدفعها إلى البحث عن مخرج لها من المأزق الفلسطيني ، الذي أصبح يشكل إحراجا لها.
وبينما ضغوط واشنطن تشتد على حكومة لندن ، صعدت المنظمات الصهيونية عملياتها الإرهابية في فلسطين. وحاولت حكومة أتلي الصمود ، حرصا منها على حماية مصالحها في المنطقة ، لكنها كانت قد ضعفت كثيرا جرّاء الحرب. وكان التعبير
__________________
(٦٠) Ibid.
(٦١) Ibid.,p.٠١.