الأول عن رضوخها إلى التحالف الأميركي ـ الصهيوني ، قبولها بتشكيل اللجنة الأنكلو ـ أميركية (١٩ تشرين الأول / أكتوبر ١٩٤٥ م) لمعالجة المسائل المتعلقة بفلسطين ، الأمر الذي يعني دخول أميركا على هذا الخط شريكا متساويا مع بريطانيا ، كخطوة أولى. وبينما راحت الأخيرة تقترب أكثر فأكثر من العرب لاستغلال رفضهم المشروع الصهيوني ، أوغلت الأولى في تبنيها له ، وجعلت منه قضية رئيسية لها. والسلوك الأميركي بمجمله بعد الحرب يشير بكل وضوح إلى احتضان الولايات المتحدة للمشروع الصهيويني ، واعتماده قاعدة لنفوذها في المنطقة ، وركيزة لمخططاتها المستقبلية تجاه الشرق الأوسط ، متعللة بالضغط الصهيوني على الساحة الأميركية لتغطي أهدافها الإمبريالية ، وبالآثار التي تركتها الحرب على الجاليات اليهودية في أوروبا. وتؤكد الدلائل أن الإدارة الأميركية عملت على عرقلة الحلول التي طرحت لإعادة تأهيل اليهود في موطنهم ، وأصرّت على فتح أبواب فلسطين أمام هجرتهم ، تطابقا مع السياسة الصهيونية.
لقد اصطدمت الحملة الصهيونية ، المدعومة أميركيا ، بموقف حكومة العمال البريطانية ، الذي تصدره وزير الخارجية ، إرنست بيفن ، والذي راحت وزارته تؤدي الدور الرئيسي في قضية فلسطين بدلا من وزارة المستعمرات. وفي هذه الأثناء اتضح التواطؤ الأميركي ـ الصهيوني لإنهاء الانتداب البريطاني ، وتسليم فلسطين للاستيطان ، لجعله ركيزة الاستراتيجية الأميركية في المنطقة. فما أن باشرت حكومة أتلي مهماتها ، حتى تقدمت الوكالة اليهودية منها بطلب لإصدار ٠٠٠ ، ١٠٠ تصريح هجرة إلى فلسطين ، مع الإعلان الفوري أنها ستصبح دولة يهودية. وردّت وزارة المستعمرات بضرورة استنفاد التصاريح الممنوحة أولا ، وعددها ٢٠٠٠ ، ومن ثمّ ستسعى للحصول على موافقة العرب على معدل ١٥٠٠ تصريح شهريا. لكن الوكالة اليهودية رفضت هذا الرد واعتبرته غير مقبول ، وكذلك كان موقف الإدارة الأميركية.
وإزاء تردد الحكومة العمالية في لندن بالاستجابة للمطالب الصهيونية ـ الأميركية ، ازداد الضغط عليها ، سواء في بريطانيا نفسها ، إذ ارتفعت أصوات تنادي بالتخلي عن الانتداب ، والتخلص من المسؤولية عن نتائجه ، أو في الولايات المتحدة بصور متعددة : سياسية واقتصادية وإعلامية. ومرة أخرى ترافقت هذه الحملة بموجة من تصعيد الأعمال الإرهابية الصهيونية ، وتنشيط الهجرة غير الشرعية. وفي ضوء ذلك ، لجأت الحكومة البريطانية إلى طرح فكرة تشكيل اللجنة الأنكلو ـ أميركية لتقصي الحقائق في فلسطين ، وتقديم التوصيات لحل الإشكالات المتعلقة بهجرة يهود أوروبا إلى فلسطين. لقد ارتأت حكومة أتلي إشراك الولايات