تعريض علاقات بلاده بالولايات المتحدة إلى التوتر ، في حين تجد بريطانيا نفسها بحاجة إلى الدعم المالي الأميركي.
وفي المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرين (كانون الأول / ديسمبر ١٩٤٦ م) برز التحول بنقل المشروع الصهيوني من مجال النفوذ البريطاني إلى الأميركي. وفي قرارات المؤتمر جرى التأكيد على «جعل فلسطين دولة يهودية مندمجة في البناء الديمقراطي العالمي» ، وفتح أبوابها للهجرة اليهودية ، وتولي الوكالة اليهودية المسؤولية عن ذلك. وتواكب ذلك مع تصاعد الدعوة إلى انسحاب بريطانيا من فلسطين والتخلي عن الانتداب ، حتى من قبل الأوساط العسكرية ، بمن فيهم الفيلد ـ مارشال مونتغومري نفسه. ونتيجة تصاعد الإرهاب الصهيوني ، من دون قرار حكومي بريطاني بقمعه لاعتبارات ردات الفعل الأميركية ، وحاجة بريطانيا إلى الدعم المالي الأميركي ، لم يبق من مخرج إلّا التخلي عن الانتداب. وهذا يفسح المجال أمام الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها بذريعة «ملء الفراغ» ، والحؤول دون «التمدد الشيوعي» ، عبر الكيان الصهيوني في الشرق الأوسط.
ومن خلال اللجنة الأنكلو ـ أميركية أصبحت واشنطن شريكا كاملا في تقرير مصير الانتداب في فلسطين ، وبالتالي الاستيطان الصهيوني فيها ، على قدم المساواة مع الحكومة البريطانية. ومن موقعها هذا ، راحت تناور بالتواطؤ مع الوكالة اليهودية لإنهاء الانتداب البريطاني ، وتهيئة الأوضاع لتسليم فلسطين للاستيطان. وقد استخدمت إدارة ترومان مسألة «هجرة المئة ألف يهودي إلى فلسطين فورا» ، أداة لنسف كل محاولات الحكومة البريطانية تدبر الأمور ، وخصوصا أنها كانت في خضم مفاوضات لعقد اتفاق مع الحكومة المصرية بشأن قناة السويس. وكان واضحا أن واشنطن كانت تسعى لإحباط مساعي لندن في هذا السبيل. وعندما ضاق ذرع الحكومة البريطانية ببيانات الإدارة الأميركية ، رد إرنست بيفن أن الإلحاح الأميركي ليس إلّا وسيلة للتغطية على قوانين الهجرة الأميركية «التي لا تحبذ دخول اليهود إلى الولايات المتحدة.» وقد أثار ذلك سخط إدارة ترومان ، واستدر عددا من الردود الأميركية القاسية. وعلى أية حال ، فإن الضغط الأميركي ـ الصهيوني ، مترافقا مع تصاعد العمليات الإرهابية ضد حكومة الانتداب ، ومع الرفض العربي للمشاريع المطروحة ، في مرحلة ما بعد الحرب ، وبينما الحكومة البريطانية تواجه مشكلات اقتصادية واجتماعية داخلية ، وسياسية خارجية ، بشأن موقعها في التشكيلات الناجمة عن نتائج الحرب ، قد دفعت جميعها تلك الحكومة إلى طرح قضية فلسطين على الأمم المتحدة ، الأمر الذي انتهى بفعل الموقف الأميركي إلى قيام الكيان الصهيوني ،