سلما ، أو بالتراضي ، وخصوصا نتيجة التطرف الصهيوني ، فطرحت مسألة استعمال القوة العسكرية لفرض الحلول قسرا. لكن كلا من بريطانيا وأميركا كانت تتحاشى تولي الأمر بنفسها ، خشية انعكاس ذلك على مصالحها في البلاد العربية ، من جهة ، وإمكان أن يفتح ذلك الباب واسعا أمام التدخل السوفياتي في المنطقة ، من جهة أخرى. هذا في حين أصرّت المنظمات الصهيونية على أن لا ضرورة لهاتين القوتين بالتدخل العسكري ، ملمحة إلى أن القوات العسكرية الصهيونية ، بدعم من المتطوعين اليهود ، قادرة على تولي المسألة بنفسها. وبهذا أوجدت المخرج للرئيس الأميركي ، والإحراج لحكومة بريطانيا ، التي كانت لا تزال الدولة المنتدبة.
وبعد مغادرة اللجنة الأنكلو ـ أميركية فلسطين ، كثفت المنظمات الصهيونية أعمالها الإرهابية ضد حكومة الانتداب ، وكذلك ضد الأفراد والضباط ، بما في ذلك محاولة اغتيال المندوب السامي. وردت القوات البريطانية بعنف على تلك الأعمال ، وبدعم قوي من الفيلد ـ مارشال مونتغومري ، قائد عام القوات البريطانية في الشرق الأوسط. وقد تسبب ذلك بردات فعل غاضبة في الولايات المتحدة ، الأمر الذي شجع تلك المنظمات على تصعيد إرهابها ، وصولا إلى نسف فندق الملك داود ، مقر الإدارة البريطانية في القدس (٢٢ تموز / يوليو ١٩٤٦ م). وفي النتيجة ، شهدت سنة ١٩٤٦ م توترا عاليا بين المنظمة الصهيونية ، تدعمها الولايات المتحدة ، وبين الحكومة البريطانية ، بهدف دفع هذه الأخيرة لإنهاء الانتداب وتسليم فلسطين للاستيطان للصهيوني ، الذي صار يعتبر نفسه مؤهلا لإقامة كيانه السياسي فيها ، وبقوة السلاح إذا لزم الأمر.
إن تقويما شاملا للعمل السياسي المنسق بين الوكالة اليهودية والإدارة الأميركية ، وكذلك النشاط الإرهابي للعصابات الصهيونية ضد حكومة الانتداب ، والضغط السياسي والاقتصادي الذي مارسته إدارة ترومان على حكومة أتلي ، يظهر التآمر الأميركي ـ الصهيوني لإنهاء الانتداب البريطاني في فلسطين ، وتحويلها إلى قاعدة للنفوذ الأميركي في المنطقة ، عبر إقامة الكيان الصهيوني فيها. وكان أول من طرح فكرة الانسحاب من فلسطين علنا ، ونستون تشرشل ، الذي أصبح في سنة ١٩٤٦ م زعيم المعارضة. وتذرع بالضرر الذي تلحقه قضية فلسطين ببريطانيا ومصالحها في المنطقة والعالم ، وقابل بين التكلفة والمردود مستخلصا أن مصلحة بريطانيا تملي عليها إنهاء الانتداب ، ووضع القضية في أيدي الأمم المتحدة. وعرض تشرشل الأسباب التي أوصلته إلى هذا الطرح ، فأورد عجز بريطانيا عن معالجة الوضع المتفاقم في فلسطين ، والحرص على عدم إلحاق الأذى بالأهداف الصهيونية ، أو