وفي الدورة الثانية من المؤتمر (٢٨ كانون الثاني / يناير ١٩٤٧ م) ، الذي دعيت إليه الهيئة العربية العليا بتشكيلها الجديد ، ترأس الوفد جمال الحسيني ، لأن السلطات لم تسمح للحاج أمين بدخول الأراضي البريطانية ، وبداية رفضت الحكومة البريطانية المشروع العربي ، وتقدمت بمشروع معدل عن مشروع موريسون ، الذي تراجعت عنه الإدارة الأميركية ، عرف باسم مشروع بيفن. وهو يقوم على مبدأ «الوصاية» البريطانية على فلسطين لخمسة أعوام ، يجري خلالها التمهيد للاستقلال ، عبر خطوات إجرائية معقدة. وكان واضحا أن الحكومة البريطانية تريد الخروج من المأزق ، وكسب الوقت ، أملا في حدوث تطورات تساعد على حلحلة الأزمة المستعصية. ورفضت الوفود العربية المشروع ، وكذلك فعلت الوكالة اليهودية ، لأنه لا يلبي المطالب العربية بالاستقلال ، ولا المطالب الصهيونية بإقامة الدولة اليهودية. وعند هذا الحد ، وصلت الحكومة البريطانية إلى الطريق المسدود ، فأعلنت في ١٤ شباط / فبراير ١٩٤٧ م عزمها على إحالة الموضوع بأكمله إلى الأمم المتحدة.
لقد كثرت التأويلات لقرار بريطانيا التخلي عن انتدابها على فلسطين والانسحاب منها ، ووجهت إليها اتهامات بالتآمر مع الولايات المتحدة والصهيونية لتسليم فلسطين للاستيطان ، لكي لا تتحمل مسؤولية ذلك منفردة. وفي المقابل ، جرى تبرير إقدامها على هذه الخطوة بعجزها عن التوفيق بين مطالب الأطراف المتعددة ، وإحجامها ، لأسباب ذاتية وموضوعية ، عن اللجوء إلى استخدام القوة لفرض إرادتها. ومهما يكن الأمر ، فلا بدّ من النظر إلى المسألة من زاوية الاعتبارات البريطانية للحفاظ على مصالحها ، في ظروف الزمان والمكان ، وحساب التكلفة والمردود في سياستها الخارجية ، وتحديدا إزاء فلسطين ، وأبعاد قضيتها عربيا وأميركيا. فبعكس مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى ، لم تعد بريطانيا بعد الثانية قوة مهيمنة ، وزاد اعتمادها على الولايات المتحدة ، وخصوصا إزاء تصاعد قوة الاتحاد السوفياتي. وفي هذا السياق ، كان الحفاظ على التحالف مع أميركا مصيريا ، وظل راسخا رسوخ اهتمام بريطانيا بصيانة موقعها الدولي ، والتباين في وجهات النظر بينهما بشأن فلسطين لم يكن من شأنه إحداث شرخ في العلاقات بين الدولتين.
في المقابل كان طرح القضية الفلسطينية على الأمم المتحدة ، فرصة مواتية للولايات المتحدة لاحتضان المشروع الصهيوني ، وتأمين إقامة الدولة اليهودية ، بقرار من الهيئة الدولية ، فتحقق أهدافها من ذلك المشروع ، تحت غطاء الشرعية الدولية. وفي الأمم المتحدة ، تولت الإدارة الأميركية ، برئاسة ترومان ، تمرير القرارات اللازمة لتجسيد المشروع الصهيوني ، والاعتراف الدولي به ، لما كانت تتمتع به من تأثير