الأمر الذي يتنافى مع «خطة د» ، المعتمدة للوصول إلى الهدف الصهيوني المرحلي بإقامة إسرائيل ، وذلك بعد إعادة ترتيب هيكلية الهاغاناه لتصبح «جيش الدفاع الإسرائيلي» ، بكل ما ينجم عن ذلك شكلا ومضمونا. وبغض النظر عن الأسباب الذاتية الموجبة لذلك ، فإن قبول الدول العربية بالهدنة ، استجابة لقرار مجلس الأمن ، وضغط الدول الكبرى ، كان بمثابة الاعتراف بالأمر الواقع ، التقسيم ، على أقل تقدير. لقد أعلنت القيادة الصهيونية قيام إسرائيل ، واعترفت بها الدول الكبرى وغيرها ، وبالتالي فإن تطور الأحداث اللاحقة للتعامل مع هذا الواقع على أساس التهادن معه ، كان لا بدّ من أن يخدم تكريسه. وعلى افتراض صدقية البيانات العربية العلنية ، فإن القبول بالهدنة كان ينذر بعواقب وخيمة.
لقد أرادت القيادة الصهيونية الهدنة لالتقاط الأنفاس ، وتلافي الثغرات التي كشفها الهجوم العربي ، وذلك عبر توفير المستلزمات ، البشرية والمادية ، وخصوصا التسليحية ، لتطبيق خطة د. فعلى الصعيدين ـ السياسي والعسكري ـ وعلى المستويين ـ الاستراتيجي والتكتيكي ـ كانت الهدنة في مصلحة إسرائيل ، وضد العرب. وقبل دخول الجيوش العربية المعركة ، كانت إسرائيل في موقع الهجوم ـ السياسي والعسكري ـ أمّا بعده ، فقد تحولت أداتها العسكرية إلى الدفاع ، وبناء عليه ، سعت للهدنة لترتيب أوضاعها ، وللانتقال إلى الهجوم العسكري ، بما يتلاءم وخطها السياسي. في المقابل ، كان الموقف العربي في حالة الدفاع السياسي بعد قرارات الأمم المتحدة ، وجاء الهجوم العسكري ليفتح أمام الدول العربية المجال للانتقال إلى الهجوم السياسي ، لكنها بقبولها الهدنة أضاعت الفرصة ، فأصبحت في موقع الدفاع ـ سياسيا وعسكريا. وتحولت إسرائيل إلى الهجوم السياسي استنادا إلى «الشرعية الدولية» ، ثم العسكري بعد الهدنة ، بينما تحولت الجيوش العربية من المبادرة الهجومية ، إلى المرابطة الدفاعية ، في خطوط قريبة من خطوط التقسيم ، ما عدا الجبهة المصرية التي عزلت النقب ، الذي كانت إسرائيل تطمع فيه. ولما أصبحت الجيوش العربية مرابطة ، سهل الاستفراد بكل منها على حدة.
وما دامت القيادة الصهيونية لم تتراجع عن هدفها السياسي بإقامة الدولة اليهودية ، فقد كان طبيعيا أن تستغل الهدنة ، بغض النظر عن شروطها ، للتقدم نحو أهدافها. وفي الواقع ، فإن قبولها للهدنة كان مشروطا باعتبار إسرائيل قائمة فعلا ، وبالتالي كان قبول الحكومات العربية بالهدنة ، اعترافا ضمنيا بذلك. وفي الهدنة التي حددت بأربعة أسابيع ، قابلة للتجديد ، استطاعت إسرائيل أن تحوّل الهاغاناه إلى جيش الدفاع الإسرائيلي ، كما أراد بن ـ غوريون ، واستقدمت المتطوعين اليهود من بلادهم