السبب في ذلك يعود إلى تحرك ملوك كنعان ، بقيادة ملك قادش ، وربما بالتحالف مع ميتاني ، لإنهاء النفوذ المصري في فلسطين. وكانت لملك قادش كما يبدو أطماع توسعية في فلسطين. وتحرك الفرعون سنة ١٤٨٠ ق. م. لترسيخ الحكم المصري فيها ، والتقى ملوك كنعان في معركة مجدّو وهزمهم ، إلّا إنه عاد من دون القضاء عليهم ، الأمر الذي استلزم القيام بحملات كثيرة لاحقا لإخضاع بلاد الشام للحكم المصري ، ودرء الخطر الحوري.
وفي نقوش سيرته ، ترك تحتمس الثالث معلومات وفيرة عن بلاد الشام في أيامه. وتبرز دولة قادش (في أواسط نهر العاصي) كمحرك رئيسي ضد مصر ، وكما يبدو ، ليس بمعزل عن التحالف مع ميتاني. وفي أحد تلك النقوش يصف المعركة الكبيرة ضد تحالف ملوك كنعان بالقرب من مجدو. وقد باغت الفرعون أعداءه ، عبر سلوكه طريق وادي عارة الضيق ، الأمر الذي لم يتوقعه هؤلاء. وهكذا فرض عليهم القتال في مرج صغير (قنا) ، وحرمهم من الإفادة القصوى من مركبات الحرب الكثيرة التي جمعوها. لكن الجنود المصريين انصرفوا مبكرا إلى نهب المعسكرات ، الأمر الذي أتاح الفرصة لملوك الحلف الكنعاني من أجل التحصن في مجدّو ، وبالتالي ، التفاوض على شروط التسليم بسيادة مصر عليهم.
ويقول الفرعون متفاخرا : «وقف جلالتي الملكية ، وسمح لهم [الحكام] بالعودة إلى مدنهم وسافروا جميعا يركبون الحمير لأنني أخذت خيولهم.» وفي الواقع ، وبعد حصار دام سبعة أشهر ، من دون القدرة على اجتياح أسوار مجدّو ، رأى الفرعون القبول بشروط التسليم التي طلبها ملوك كنعان المحاصرين فأعطاهم العفو العام ، عنهم وعن جنودهم وعائلاتهم ، شرط أن يقبلوا السيادة المصرية ، ويسلموا أسلحتهم وخيولهم. وإذ تمّ الاتفاق ، وعاد كل منهم إلى بلده ، إلّا إن أمر السيادة لم يستتب. واضطر الفرعون إلى العودة إلى بلاد الشام في ١٥ حملة ، استطاع في نهايتها إخضاع سورية كلها لحكمه. ولكن ذلك كان إلى حين فقط ، إذ عاد ملوك كنعان إلى التمرد على سلطة الفرعون ، المرة تلو الأخرى.
وفي عهد تحتمس الثالث ، وصلت الإمبراطورية المصرية ذروة قوتها وتوسعها.
فقد خضعت له بلاد الشام ، لكنها لم تسلّم بالأمر ، وخصوصا مملكة قادش في سورية ، إذ ظلت تتحين الفرص للتمرد على الحكم الفرعوني. وكذلك ، وعلى الرغم من الهزيمة التي لحقت بدولة ميتاني الحورية ، في معركة كركميش سنة ١٤٧٢ ق. م. ، فإنها لم تسقط ، بل ظلت تصارع بشأن البقاء والسيادة ، على الأقل في شمال شرقي سورية. ثم عادت ودعمت قادش في تمردها سنة ١٤٦٣ ق. م. ، وهذا ما اضطر