عظمتها. وكان أحمس الأول ، مؤسس السلالة ١٨ ، هو الذي قضى على إمبراطورية الهكسوس ، واحتل عاصمتهم أفاريس. ومن ثمّ طاردهم إلى جنوب فلسطين وحاصر القلعة الحصينة شاروحين مدة ثلاث سنوات ، واحتلها ودمرها. وبذلك أسس رأس جسر على الساحل الفلسطيني ، قاعدته في مدينة غزة.
وما كان لأحمس أن يبادر إلى هذه السياسة الجديدة ، وبالتالي ينخرط في الصراعات الدائرة في غرب آسيا ، لو لا شعوره بالخطر الذي يتهدد مصر من الشمال الشرقي ، سواء من فلسطين ، أو من ورائها. وإذ لم يكن مستبعدا أن يعود الهكسوس لغزو مصر ، فقد برزت أيضا قوتان إلى الشمال من الهلال الخصيب ، راحتا تضغطان جنوبا في اتجاه شمالي سورية والعراق. فبينما بدأ الحثيون يتحركون من أواسط أناضوليا في اتجاه الممالك العمورية في شمال سورية ، راح الحوريون ، من جبال زاغروس ، يضغطون على أشور في شمال العراق. ومثل هذه التطورات ما كانت لتغيب عن أذهان حكام مصر الذين تخلصوا لتوّهم من حكم الهكسوس.
عشية طرد الهكسوس من مصر ، برز الحثيون في أواسط الأناضول ، وتمدّدوا جنوبا في اتجاه شمال سورية ، فدمروا الالاخ ، وكذلك أرشو (شمال كركميش) ، ومن ثمّ هاجموا يمحاض (حلب) وخربوها. ثم ما لبثوا أن أغاروا على بابل وقضوا على ملكها. ولأسباب داخلية تراجعوا وانشغلوا في صراعاتهم بشأن السلطة. وبذلك فتحوا الباب أمام الكاشيين (الكوشيين) لقطف ثمار حملتهم على بابل ، وكذلك الحوريين للتمدد في شمال سورية ، ومنها إلى فلسطين. فالحوريون ، الذين أقاموا مملكة ميتاني (١٥٥٠ ـ ١١٢٠ ق. م.) توسعوا غربا إلى كركميش وحلب والالاخ ، ثم جنوبا إلى قطنا وقادش. ويعتقد أنهم الذين قضوا على مملكة حاصور القوية في شمال فلسطين. ولعل نشاط الحوريين هو الذي حرّك الفرعون العظيم تحتمس الأول (١٥٣٥ ـ ١٥١٠ ق. م.) ، للقيام بحملته الشهيرة إلى فلسطين وسورية ، وصولا إلى الفرات الأعلى. وتفيد المسلّة التي أقامها على الجانب الأيسر من الفرات ، أنه اصطدم بالحوريين وهزمهم ، إلّا إنه لم يقض عليهم. وعلى الرغم من الانتصارات التي حققها ، أو ادّعاها ، في حملته هذه ، فقد ظلت محدودة الأثر ، ولم تنه الوضع في سورية وفلسطين لمصلحة مصر. وعلى العكس ، فبعد عودة الفرعون من حملته ، وبروز مشكلات داخلية في مصر ، عادت ميتاني لتمارس نشاطها في بلاد الشام والعراق ، وتصبح المنافس الرئيسي لمصر بشأن النفوذ في غرب آسيا.
وفقط عندما استتب الحكم في مصر ، وتسلم زمام السلطة تحتمس الثالث (١٥٠١ ـ ١٤٤٧ ق. م.) ، تجددت الحملات المصرية على فلسطين وسورية. ولعل