السهل الساحلي ، الذي بقي في أيدي الفلسطيين. وبعد ذلك توجه نحو شرقي الأردن ، واشتبك مع العمونيين والمؤابيين الذين كانوا يعملون لترسيخ سلطتهم هناك.
وبسبب نشاطه العسكري في الجلعاد ، اصطدم داود مع العمونيين والمؤابيين في شرقي الأردن ، ومع الأراميين في سورية. وبغض النظر عن المبالغة التوراتية في حدود مملكة داود ، الأمر الذي لا نجد له صدى في المصادر الأخرى المعروفة ، فإن في الإمكان الافتراض أنه برز كقوة في هذه المرحلة ، بفضل أوضاع سياسية خاصة ، أدت إلى تدهور أوضاع الإمبراطوريات الكبيرة كلها المعروفة في الشرق الأدنى آنذاك ، وأفسحت المجال أمام قيام مملكة داود. فدولة الحثيين انهارت بفعل حركة شعوب البحر ، والإمبراطورية المصرية تراجعت بتضافر عوامل خارجية وداخلية. وكذلك حدث في أشور وبابل ، بعد أيام تغلات بلّيسر الأول (نحو ١١٠٠ ق. م.) ، الأمر الذي دفع الأراميين إلى التمدد والعمل على إقامة ممالك مستقلة في سورية : دمشق وصوبا وجشور وغيرها.
ويظهر أن داود أقام علاقات تجارية ودبلوماسية مع ملك حماة ، توعي ، في مواجهة الأراميين الآخرين ، ومع حيرام ، ملك صور الفينيقي ، لأغراض تجارية. وكذلك فعل مع العمونيين ، إذ لضرورات سياسية واعتبارات داخلية ، زوّج ابنه سليمان من نعامة ، ابنة الملك العموني. وهو نفسه تزوّج من ابنة ملك جشور الأرامي. أمّا في الداخل ، فلم يحقق الكثير في حياته ، إذ شغل بالحروب ، فأدّى ذلك إلى تذمر القبائل ، وحتى إلى ثورة ابنه أبشالوم عليه ، بدعم من قبيلته ـ يهودا ـ الأمر الذي اضطره إلى الهروب واللجوء إلى حماية العمونيين. وفي آخر أيامه ، أمر بإجراء إحصاء للسكان ، لضرورات جباية الضرائب ، والتجنيد للجيش وأعمال الملك (السخرة) ، فأثار بذلك نقمة القبائل وتمرّدها عليه.
وفي سعيه لتوحيد القبائل الإسرائيلية حول ملكه وعاصمته ، اصطدم داود بالنزعة الانفصالية القوية لدى تلك القبائل. لقد نقل تابوت العهد ـ رمز وحدة بني إسرائيل من أيام موسى ـ إلى أورشليم ، وأخذ يعد لبناء قصر لنفسه وهيكل ليهوى. فجمع مواد البناء ، وكذلك الذهب والفضة لهذا الغرض ، الأمر الذي أدّى إلى تذمر الناس من عبء الضرائب. كما ثار بعض القبائل ضد المحاباة التي خصّ بها قبيلته ـ يهودا ـ بإعفائها من الأتاوات ، ومنحها الامتيازات عبر المواقع الرفيعة في الجيش والإدارة المدنية. وفي النتيجة ، لم ينجح داود في التغلب على النزعة الانفصالية لدى القبائل الإسرائيلية ، وكان لا بدّ من اللجوء إلى أعمال القمع لفرض سلطانه ، وتأمين حاجات جهاز الدولة المركزية من النفقات والتموين وأعمال العمارة.