ملكا على إسرائيل ، مستفيدا في تحديه هذا من وجود «مملكة أورشليم اليبوسية» كحاجز يفصل بينه وبين سبط بنيامين ، الذي ينتمي إليه شاؤول ، ويدعمه سبط إفرايم. واضطر داود إلى الهروب من وجه شاؤول ، والعمل لدى الفلسطيين في حامية حدودية بالنقب. ومن هناك ، راح يوطد علاقاته مع سبطه ـ يهودا ـ منطلقا من قاعدة العمل في خدمة الفلسطيين ، ويبني قوته العسكرية الخاصة ، من قبيلته وغيرها.
وباندفاعه لتكريس نفسه ملكا ، اصطدم شاؤول بالنزعة القبلية القوية لدى الإسرائيليين ، وبممارساته التعسفية جلب على نفسه غضب النبي صموئيل ، فأفاد داود من ذلك كله ، وراح يجمع حوله العناصر المتذمرة من تصرف شاؤول ، ويسترضي القبائل الجنوبية ، وخصوصا يهودا ، الرافضة لزعامة شاؤول ، ابن السبط الصغير ـ بنيامين ـ وكل ذلك من منطلق قاعدة العمل في خدمة الفلسطيين ، وبالتالي الاطمئنان إلى رضاهم عنه. وبتدهور الأوضاع الذاتية لملك شاؤول ، انتهز الفلسطيون الفرصة ، وهاجموه ، هذه المرة من الشمال ، من مرج ابن عامر ، فهزموه ، وشتتوا جنده ، وأسروه مع ثلاثة من أبنائه ، وقتلوه ، وأعادوا سيطرتهم على المناطق التي احتلها منهم ، ولكن من دون إقامة سلطة مباشرة فيها. لقد اكتفوا باقتلاع عنصر الخطر ، وعادوا إلى مناطقهم.
أمّا داود (١٠٠٤ ـ ٩٦٥ ق. م.) ، فبعد هروبه من وجه شاؤول الذي عزم على قتله ، لجأ إلى ملك جات الفلسطي ، أخيش ، وعمل في خدمته حارسا لحدوده من هجمات القبائل المتنقلة في الصحراء ، واتخذ مقرّا له في مدينة تسجلاج (صقلج) في الطرف الجنوبي الشرقي من أرض الفلسطيين. ومن هذه المنطقة واصل صراعه مع أشبعل ، ابن شاؤول ووارثه ، الذي بدعم من قائد الجيش ، أبنر ، نقل مركزه إلى شرقي الأردن. والفلسطيون ، الذين استغلوا هذا الصراع لمصلحتهم ، سكتوا عن داود عندما نقل مقرّه إلى حبرون (الخليل) ، وساندوه في صراعه بشأن ميراث ملك شاؤول ، ولم يستفيقوا على الخطر الناجم عن ازدياد قوته إلّا بعد أن وضع يده على أورشليم ، وأنهى حكم اليبوسيين الكنعاني فيها.
ويبدو أن داود ، بعد احتلال أورشليم ، انتهز الفرصة لقطع علاقة التبعية التي ربطته بالفلسطيين ، فبادر هؤلاء بتجريد حملة ضده ، لكنه دحرهم ، وتابع مطاردتهم ، واحتل مدينتي : جيزر وعقرون من أيديهم ، وجعلهما خط دفاعه الأول في مواجهته لهم. وبعد أن بسط سلطته على جبال القدس ، وجعل أورشليم عاصمة له ، ونقل إليها «تابوت العهد» ، ليركز فيها السلطتين ـ الدينية والسياسية ، تحوّل داود إلى توسيع مملكته. وخلال بضع سنوات ضمّ إليها كل ولاية كنعان المصرية سابقا ، ما عدا